الجانب المظلم للحضارة اليونانية كما لم تعرفها من قبل

الحضارة اليونانية القديمة

كثيرا ما يشار إلى الحضارة اليونانية باعتبارها حضارة كان يقودها التنوير، وأنها ألهمت البشرية في مناحي الحياة المختلفة، صحيح أنها قدمت الكثير من الإسهامات النظرية والعلمية في مختلف العلوم، والفرضيات الرياضية، وحتى الفنون والفلسفة، ورغم أنها توصف أحيانًا بمهد الحضارة الغربية إلا أنها لم تكن حضارة مثالية، بل شاب تاريخها العديد من الانتهاكات والجرائم المخالفة للصورة النمطية المثالية عنها.

اليونان أول من أشعلت الحرب الكيميائية

حين نتحدث عن الحرب الكيميائية؛ تذهب عقولنا إلى العصر الحالي، ربما لا يدور ببالنا أن الحرب الكيميائية لها أصول قديمة، وبالأخص في حضارة مثل الحضارة اليونانية، فالحرب الكيميائية عرفها العالم مبكرًا من خلال اليونان.

أول حالة معروفة لحرب كيميائية باستخدام غاز سام كانت في عام 429 قبل الميلاد، أثناء حصار بلاتيا وهي مدينة يونانية قديمة، وضع الإسبرطيون المحاصرون لبلاتيا حطبًا كبيرًا خارج سور المدينة، وأشعلوا الحطب بالنار بعد أن وضعوا عليه الكبريت، مما خلق لهيبًا أزرق ورائحة كريهة، وأطلق الإسبرطيون غاز ثاني أكسيد الكبريت السام على المدافعين، مما أجبر البلاتيون على التخلي عن مدينتهم.

التسمم بإمدادات المياه طريقة أخرى للحرب الكيميائية، حدثت خلال الحرب المقدسة الأولى، (595-585) قبل الميلاد، وقت حصار مدينة كيرا، إذ قطعت إمدادات المياه على المدينة، وفي الوقت الذي كان المدافعون يعانون فيه من العطش، فتح لهم إمدادات المياه المضاف إليها جذور نبات الهليبور السامة، ولم تكن هذه حالة فردية في حروب اليونان القديمة، فالإسبرطيون أيضًا سمموا إمدادات المياه في بعض المدن الأثينية خلال حرب بيلوبونيز.

النار اليونانية هو سلاح حارق ابتكره اليونانيون، واستخدموه في حصار مدينة ديليوم في عام 424 قبل الميلاد، والسلاح عبارة عن نيران مضاف إليها الكبريت ونفط ومادة البيتومين، ويطلق من أنابيب طويلة ومنفاخ كبير، وطوره البيزنطيون واستخدموه بشكل مكثف في المعارك البحرية، نظرًا لأن هذه النيران لا تطفأ بالماء، وكانت السفن اليونانية والبيزنطية تطلقه من أنابيب مثبتة في أعماق السفن، وكان هذا السلاح مسؤولًا عن العديد من الانتصارات العسكرية اليونانية والبيزنطية على حد سواء.
الإعدام.. خطيئة أول ديموقراطية في العالم

صيغ مصطلح «الديموقراطية» من كلمتين من اللغة اليونانية القديمة، الأولى «ديموس» وتعني الشعب، والأخرى «كراتوس» وتعني السلطة أو الحكم، واستخدم في القرن الخامس قبل الميلاد للدلالة على النظم السياسية الموجودة آنذاك في المدن اليونانية، فاليونانيين أول من وضعوا أسس الديموقراطية، واستخدموها لكن أضافوا إليها إجراءات قمعية.

الصخرة المقدسة في أثينا

أثناء حرب بيلوبونيز والتي دارت رحاها في الفترة بين (431-404) قبل الميلاد؛ بين مدينة أثينا وحليفاتها من جهة، وإسبرطة وحليفاتها من الجهة الأخرى، كانت مدينة ميتيليني قد حاولت الثورة على نفوذ الإمبراطورية الأثينية؛ إلا أن ثورتهم فشلت واضطر الميتيلينيون إلى التسليم، وكان على الدولة الأثينية اتخاذ قرار بشأنهم، ووفقًا للمؤرخ الأثيني ثوسيديديس أنه في غضب اللحظة؛ قررت الدولة الأثينية إعدام كل رجال مدينة ميتيليني، وليس فقط السجناء الذين قبض عليهم أثناء التمرد، وشمل القرار كل ذكر بالغ أما النساء والأطفال فمصيرهم الرق والاستعباد.

أرسلت سفينة إلى ميتيليني محملة بكتائب الإعدام لتنفيذ الحكم، لكن للحظة شعر الأثينيون بالقلق من أن قرارهم بإعدام كل رجال المدينة ربما اتخذ على عجل إلى حد ما، وعلى الفور ناقشوا الأمر مرة أخرى وأجروا تصويتًا جديدًا، وخفض الحكم إلى إعدام المحركين الرئيسيين للتمرد، والذين قدروا بحوالي ألف شخص، وأرسلت سفينة أخرى لتلحق بالسفينة الأولى قبل الوصول إلى ميتيليني، ولحقتها بالفعل وأعدم ألف شخص، لتكتمل جريمة الديمقراطية اليونانية.

«ثور فلاريس».. فرن بشري في أثينا

يبدو أن تتبع جرائم الحضارات المختلفة يفضي إلى اكتشاف التعذيب كجزء تاريخي من فرض الحكومة سيطرتها على شعبها أو للتنكيل بأعدائها وخصومها، أما في الحضارة اليونانية المتقدمة آنذاك فقد ابتكروا أساليب تعذيب مبتكرة.

«ثور فلاريس» هو فرن بشري صمم في اليونان القديمة؛ كجهاز تعذيب وإعدام، اخترعه بريلوس في أثينا وقدمه إلى الطاغية فلاريس، كوسيلة جديدة لمعاقبة المخالفين له، قال بريلوس إلى فلاريس وهو يقدم اختراع الثور له: «إذا كنت ترغب في معاقبة شخص ما، فأدخله في الثور وأغلق عليه، وألقِ بنار تحته؛ سوف تعتقد أن الثور له صوت مرتفع، لكن هذه صرخات الألم التي ستمنحك المتعة؛ حين تأتي عبر الأنابيب الموجودة في أنف الثور».

صنع الثور بالكامل من البرونز، وهو مجوف من الداخل وله مدخل من جهة واحدة، وهو المدخل الذي يدخل منه المحكوم عليه، ويلقى في جوف الثور، ويقفل عليه وتشعل النار تحت الثور حتى يسخن المعدن؛ وبالتالي يقلى الشخص الذي بداخله حتى الموت.

النساء في اليونان مجرد ممتلكات

نظرت الحضارة اليونانية العريقة إلى المرأة بدونية شديدة، كانت المرأة لديهم مجرد ممتلكات، إلى درجة أن الحضارة اليونانية اعتبرت الزنا أسوأ من الاغتصاب، فلم يكن الاغتصاب مسألة عنف ضد المرأة، بقدر ما كان عنفًا ضد الممتلكات، لذلك يعاقب المغتصب بغرامة تدفع لمالك المرأة، أي الزوج أو الأب، أما الزنا فكان يُنظر إليه باعتباره مدمر على وحدة الأسرة، ومحاولة لتخريب ولاء المرأة لزوجها وعائلتها ومنزلها، لذا كان من الممكن قتل الزناة في الحال إذا قبض عليهم في الفعل، وإلا فإن المرأة التي زنت تصبح مطلقة على الفور.

«قطعة جميلة لا تقاوم، ولكنها طفيلية وكسولة؛ تقبع في منزل الرجل وتأكل كل شيء» كان هذا منظور المجتمع اليوناني القديم للمرأة، ليس هذا فقط ولكن أرسطو آمن وأصر على أن النساء هن في الأصل ذكور مشوهة، خلقوا بعد حدوث خطأ في رحم أمهاتهن، وترجمت هذه المعتقدات إلى حقائق في الحياة المدنية، فلم تتمكن النساء من التصويت، أو امتلاك الأراضي، أو حتى وراثة الممتلكات، وحصر دورها في الاهتمام بمنزلها وتربية الأطفال.

العقاب اليوناني القاسي.. إعدام أو انتحار قسري

كأي حضارة كبرى وضعت الحضارة اليونانية عقوبات لمرتكبي الجرائم، لكنها ابتكرت عقوبات جديدة واختصت بشكل كبير للمعارضين سياسيًا، لكن إجمالًا كانت العقوبات في اليونان القديمة تدور حول الغرامات، السجن، الحرمان التام من الحقوق السياسية، فقدان محدود للحقوق السياسية، والنفي من المدينة ويشمل مصادرة الممتلكات ورفض الدفن داخل المدينة.

الإعدام أيضًا كان إحدى طرق العقاب في أثينا، وكان المعروف وقتها الإعدام بالصلب، لكن الأثينيون قدموا للمحكوم عليه بالإعدام خدمات جديدة، مثل الانتحار القسري، بديلًا للصلب، كما حدث مع سقراط، والذي قدم له كأس الشراب مخلوطًا بنبات الشوكران السام، واعتاد الأثينيون السماح للمذنبين الذين أدينوا بالإعدام بالانتحار القسري قبل إعدامهم شريطة أن يتمكنوا من دفع ثمن جرعة السم.

الهرب كان حلًا أخر للمحكوم عليه بالإعدام، وخدمة خفية قدمها الأثينيون بديلًا للانتحار، ويشمل الهرب النفي مدى الحياة، ومصادرة الممتلكات، ولم يكن الأثينيون يقدمون خدمات الانتحار القسري والهرب من أجل شيء سوى منع محاولات الاضطرابات الاجتماعية التي ربما تحدث نتيجة التنكيل بمعارضيهم.

هذا ما كان يحدث للأطفال في الحضارة اليونانية القديمة

كما نال بعض الأطفال حظًا من التعليم في الحضارة اليونانية، نال آخرون منهم مصيرًا تعسًا بين خطف واعتداء جنسي، وكأن الأطفال لم يكن لديهم أهل يمنعون ذلك.

في مدينة اسبرطة اليونانية في حقب ما قبل الميلاد كان على والد الطفل الذي أتم سبع سنوات أن يقدمه لمعسكر التدريب، ويأخذ الأب في المقابل قطعة أرض ومركزًا اجتماعيًا، أما الصبي فيذهب ويعود حين يتم 30 عامًا، وفي مركز التدريب يعيش الطفل على نظام غذائي تافه ويتدرب على الكمال، لا خوف؛ لا رحمة؛ والانضباط قبل كل شيء، وينالون من التعليم بعض الأساسيات في الموسيقى والرياضيات، بينما يظل تدريبهم الرئيسي عسكريًا، وغالبا ما يعبر الحدود الأخلاقية، مثل تعلم كيفية السرقة دون الإمساك به، ففي حالة الحرب، ربما يضطر إلى سرقة الطعام من أجل البقاء، وكان الأطفال يذهبون في تدريبات عملية على السرقة وإذا ألقي القبض على واحد منهم، لا يعاقب على السرقة، بل على القبض عليه.

في جزيرة كريت اليونانية كان الوضع أسوأ، فكان هناك اعتداء جنسي للأطفال يحدث بموافقة الأهل، كان الأب يسمح للراغب أو المعتدي والذي غالبًا ما يكون من الطبقة الأرستقراطية، أن يأخذ طفله في جولة خارج المدينة للصيد، وتسمى تلك العملية «خطف»، يأخذ الرجل الصبي لمدة شهرين أو أكثر خارج المدينة، ويعتدي عليه جنسيًا، ويمنح الطفل هدايا ثمينة، ولم تكن هذه الممارسات موجودة في جزيرة كريت فقط، بل كان هناك ممارسات مماثلة في جميع أنحاء اليونان القديمة، وصورت بشكل متكرر في الفن والأدب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محتويات الموضوع