أنواع السحر والحسد وكيفية علاجهم و التحصن منهم

 أنواع السحر والحسد وكيفية علاجهم و التحصن منهم

أنواع السحر التي عددها أهل العمل لا تخرج عن هذه الأقسام الثلاثة:
1- السحر الحقيقي.
2- السحر التخيلي.
(وهذان لا يتمان إلا بالكفر والعبودية للشيطان).
3- السحر المجازي.

السحر الحقيقي

وهو كل سحر كان له أثر حقيقي وملموس في الخارج، وأنواعه كما يلي:-

النوع الأول: ما يكون بغير معين خارجي:
بل بهمة النفس وقوتها وقدراتها الروحية، وهو سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية الخبيثة الفاسدة ،
وبناءً عليه يقوم الساحر بأقوال وأفعال مخصوصة تقوي النفس حتى تؤثر في الآخرين بقدرة الله تعالى. ولا بد لهم لتحقيق ذلك من رياضيات بليغة واجتهادات ومجاهدات عسيرة؛ كتقليل الغذاء، والانقطاع عن الناس وغيرها.

وَمِنْ خَوَاصِّ النُّفُوسِ مَا يَقْتُلُ؛ فَفِي الْهِنْدِ جَمَاعَةٌ إذَا وَجَّهُوا أَنْفُسَهُمْ لِقَتْلِ شَخْصٍ مَاتَ، وَيُشَقُّ صَدْرُهُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ قَلْبُهُ، بَلْ انْتَزَعُوهُ مِنْ صَدْرِهِ بِالْهِمَّةِ وَالْعَزْمِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ، وَيُجَرَّبُونَ بِالرُّمَّانِ فَيَجْمَعُونَ عَلَيْهِ هِمَمَهُمْ فَلَا تُوجَدُ فِيهِ حَبَّةٌ، وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ كَثِيرَةٌ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَإِلَيْهِ مَعَ غَيْرِهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) الْحَدِيثَ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُؤْذِي بِالْعَيْنِ، وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ بِهَا تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَصِيدُ بِالْعَيْنِ الطَّيْرَ فِي الْهَوَى وَيَقْلَعُ الشَّجَرَ الْعَظِيمَ .

وقد أخرج البزار بسند حسن عن جابر رفعه (أكثرُ من يموت بعد قضاءِ اللهِ وقدرهِ بالنفس)، قال الراوي: يعني بالعين. ومعلوم أن النفوس الخبيثة لها آثار بإذن الله تعالى، ومن أصرح الأدلة الشرعية في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين)، وهذا الحديث الصحيح يدل على أن همة العائن وقوة نفسه في الشر جعلها الله سببًا للتأثير في المصاب بالعين .

النوع الثاني: هو السحر الذي يستعان عليه بمعين خارجي:
أولا: الاستعانة بالأرواح الأرضية، وهم الشياطين من الجن، واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية؛ لما بينها من المناسبة والقرب، ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد.
فيقوم الساحر بتسخير الجن، ويعزم عليهم بالعزائم؛ ليطيعوه، ويتقرب لهم بما يحبونه من الكفر والشرك، فيقضوا له أغراضه، فقد يكتب الساحر كلام الله بالنجاسات أو يكتبه مقلوبًا وغير ذلك.

ثانيًا: الاستعانة بروحانيات الكواكب والأفلاك والأجرام السماوية كما يزعمون، ويدخل من ضمنه أنواع عدة:

• سحر الكلدانيين والكشدانيين، الذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة، وهي السيارة، وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم، وأنها تأتي بالخير والشر ، وهو سحر أهل بابل الذين بعث الله لهم إبراهيم عليه السلام رادًّا على ادعاءاتهم، وداحضًا لشبهاتهم، وهم يزعمون أن الكواكب السبعة هي المدبرة للكون والمتصرفة فيه، ومنها تصدر الخيرات والشر والسعادة والنحوس، فيلبسون لها لباسًا خاصًّا، وينحرون لها الأنعام، وصوروا لها تماثيل وسموها بأسماء الكواكب؛ فالساحر في هذا النوع يعبد الكواكب ويعتقد تصرفها في العالم.

• ومنه الطلاسم: وَحَقِيقَتُهَا نَفْسُ أَسْمَاءٍ خَاصَّةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بالأفلاكِ وَالْكَوَاكِبِ عَلَى زَعْمِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ، فِي أَجْسَامٍ مِنَ الْمَعَادِنِ أَوْ غَيْرِهَا، تَحْدُثُ لَهَا آثَارٌ خَاصَّةٌ رُبِطَتْ بِهَا فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ، فَلَا بُدَّ فِي الطلسمِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَسْمَاءِ الْمَخْصُوصَةِ وَتَعَلُّقِهَا بِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْفَلَكِ وَجَعْلِهَا فِي جِسْمٍ مِنَ الْأَجْسَامِ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ نَفْسٍ خاصة لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ، فَلَيْسَ كُلُّ النُّفُوسِ مَجْبُولَةً عَلَى ذَلِكَ .

• ومنه: النظر في حركات الأفلاك والنجوم ودورانها وطلوعها وغروبها واقترانها وافتراقها، مع اعتقاد أن لكل نجم تأثيرًا من ضرر أو نفع عند انفرادها أو افتراقها؛ من غلاء الأسعار أو وقوع الحوادث، ومنه الاستقاء بالأنواء .

قال الرسول صلى لله عليه وسلم: (من اقتبس شعبة من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد) رواه أبو داود.
وعن زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أنَّهُ قالَ: «صَلَّى لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ بالْحُدَيْبِيَةِ فِي إثْرِ سَمَاءِ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قالَ: قالَ: أصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكافِرٌ؛ فَأَمَّا مَنْ قالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ، فذلكَ مُؤْمِنٌ بِي كافِرٌ بِالْكَوْاكَبِ، وَأمَّا مَنْ قالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فذلِكَ كافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكَبِ»، رواه أبو داود.

• ومنه النظر في منازل القمر الثمانية والعشرين، مع اعتقاد التأثيرات في اقتران القمر بكل منها أو مفارقته؛ من سعادة أو نحوس، وهذا ادعاء لعلم الغيب .

• ومنه ما يفعله من يستخدم حروف (أبجد هوز)، ويجعل لكل حرف منها قدرًا من العدد معلومًا، ويجري على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والأمكنة وغيرها، ويجمع جمعًا معروفًا عنده ويطرح طرحًا خاصًا، ويثبت إثباتًا خاصًا، وينسبه إلى الأبراج الاثني عشر المعروفة عند أهل الحساب، ثم يحكم على تلك القواعد بالسعود والنحوس وغيرها مما يوحيه إليه الشيطان، وكثير منهم يغير الاسم من أجل ذلك، أو يفرق بين المرء وزوجته بذلك، بدعوى أنهم إن جمعهم بيت لا يعيش أحدهم، وقد يتحكم بذلك في الغيب؛ فيدعي أن هذا يولد له وهذا لا، وهذا ذكر وهذا أنثى، وهذا يكون غنيًا وهذا يكون فقيرا، أو غنيا أو وضيعا ونحو ذلك. كأنه هو الكاتب ذلك للجنين في بطن أمه، لا والله لا يدريه الملك الذي يكتب حتى يسأل ربه، فكيف بهذا الكاذب المفتري؟ ويدعي أن ذلك بصناعة اخترعها، وهذا من أعظم الشرك في الربوبية، ومن صدق به فقد كفر والعياذ بالله .

السحر التخييلي

وهو أن يقوم الساحر بالسيطرة على القوى المتخيلة للشخص المسحور، فيتصرف فيها بنوع من التصرف، ويلقي فيها من الخيالات والصور، ثم ينزلها إلى الحِسّ من الرائي، فينظر لها الرائي ببصره وكأنها حقيقة في الخارج، وليس في الأصل شيء من ذلك، وينقل لنا ابن بطوطة عن أوحد الدين السنجاري (أحد أهل العلم الذين كانوا ببلاد الصين) أنه دخل على رجل عابد في غار، فأخذ ذلك العابد بيده، فخيل لأوحد الدين أنه في قصر عظيم، وأن ذلك العابد المبتدع قاعد فيه على سرير، وفوق رأسه تاج، وحوله الوصائف الحسان، والفواكه تتساقط في أنهار هناك، وتخيل أوحد الدين أنه أخذ تفاحة ليأكلها، فإذا هو في الغار بين يدي ذلك العابد الضال وهو يضحك منه .

ومثاله أن يقوم الساحر بتفريق أعضاء شخص آخر ثم يعيدها، فالرائي يعتقد أن ذلك حصل في الخارج، والحقيقة أن الرائي واقع تحت تأثير السحر التخييلي، وما رآه مجرد خيالات أحدثها له الساحر في قواه المتخيلة. فوالله لم يحدث لا تقطيع ولا تجميع، إنما هو سحر تخييلي ومنه:

• السيمياء: بكسر السين، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُرَكَّبُ مِنْ خَوَاصَّ أَرْضِيَّةٍ؛ كَدُهْنٍ خَاصٍّ، أَوْ مَائِعَاتٍ خَاصَّةٍ، أَوْ كَلِمَاتٍ خَاصَّةٍ تُوجِبُ تَخَيُّلَاتٍ خَاصَّةً، وَإِدْرَاكَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ أَوْ بَعْضها لِحَقَائِقَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ، وَقَدْ يَكُونُ لِذَلِكَ وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ؛ يَخْلُقُ اللَّهُ تِلْكَ الْأَعْيَانَ عِنْدَ تِلْكَ الْمُحَاوَلَاتِ، وَقَدْ لَا تَكُونُ لَهُ حَقِيقَةٌ بَلْ تَخَيُّلُ صَرْفٍ، وَقَدْ يَسْتَوْلِي ذَلِكَ عَلَى الْأَوْهَامِ حَتَّى يَتَخَيَّلَ الْوَهْمُ مُضِيَّ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ، وَيَسْلُبُ الْفِكْرَ الصَّحِيحَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَتَصِيرُ أَحْوَالُ الْإِنْسَانِ مَعَ تِلْكَ الْمُحَاوَلَاتِ كَحَالَاتِ النَّائِمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ كُلُّهُ بِمَنْ عُمِلَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يُعْمَلْ لَهُ لَا يَجِدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ .

• الهيمياء: بكسر الهاء، قيل: هو ما تركب من خواص سماوية تضاف لأحوال الأفلاك يحصل لمن عمل له شيء من ذلك أمور معلومة عند السحرة، وقد يبقى له إدراك، وقد يسلبه بالكلية فتصير أحواله كحالات النائم من غير فرق حتى يتخيل مرور السنين الكثيرة في الزمن اليسير، وحدوث الأولاد وانقضاء الأعمار، وغير ذلك في ساعة ونحوها من الزمن اليسير، ومن لم يعمل له ذلك لا يجد شيئا مما ذكر وكل ما يتصوره المسحور في هذه الحالة من الأوهام التي لا حقيقة لها .

فتفريقه بين المرء وزوجه: تخييله بسحره إلى كل واحد منهما شخصَ الآخر على خلاف ما هو به في حقيقته من حُسْن وجمال، حتى يقبحه عنده، فينصرف بوجهه ويعرض عنه، حتى يحدث الزوج لامرأته فراقًا، فيكون الساحر مفرقًا بينهما بإحداثه السبب الذين كان منه فرقة ما بينهما .

وقد يكون التفريق بما يلقيه الشيطان في قلب أحدهما تجاه الآخر.

السحر المجازي

قال ابن كثير في تفسيره: "وأدخل [أي الرازي] كثيرًا من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها؛ لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه".
وهو أنواع ايضا .

علاج السحر

إن التداوي لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب، وكذلك تجنب المهلكات، والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك.

قال صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء". وعنْ أُسَامَةَ بنِ شَرِيكٍ قالَ: «أتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأصحَابُهُ كأنَّمَا عَلَى رُؤوسِهِمْ الطَّيْرُ، فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاء الأعْرَابُ مِنْ هَاهُنَا وهاهنا، فقَالُوا: يَا رَسُولَ الله أَنَتَدَاوَى؟ فَقَالَ: تَدَاوَوْا؛ فَإنَّ الله تَعَالَى لَمْ يَضَعْ دَاءً إلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَم»، رواه أبو داود والترمذي وأحمد. وحتى الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له، وأقروا بالعجز عن مداواته، فإن له دواء لكنه مجهول، بناء على ما جاء في حديث ابن مسعود من قوله: (وجهله من جهله). وقد أخرج ابن ماجه من طريق أبي خزامة عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقيها، ودواء نتداوى به، هل يرد من قدر الله شيئًا؟ 

قال: هي من قدر الله تعالى. وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
1- أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.
2- وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره.
3- وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى.
ففي صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك". وقد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها، لكن دل حديث عوف أنه مهما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك يمنع، وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك فيمتنع احتياطًا.

العلاج المشروع للسحر

قبل البداية في العلاج يجب على المسلم أن يحصن نفسه وأهله من شر شياطين الإنس والجن، وذلك بقراءة أذكار المساء والصباح وأذكار النوم، والمحافظة عليها، وأيضًا المحافظة على قراءة (قل هو الله أحد) والمعوذتين وآية الكرسي بعد كل صلاة، والإكثار من قول (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) وقول (أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق)، 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بها الحسن والحسين.
وقد جمع العلماء من الأذكار والدعوات التي يقولها العبد إذا أصبح وإذا أمسى وإذا نام وإذا خاف شيئًا وأمثال ذلك من الأسباب ما فيه بلاغ، فمن سلك مثل هذا السبيل فقد سلك سبيل أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومن دخل في سبيل أهل الجبت والطاغوت الداخلة في الشرك فقد خسر الدنيا والآخرة، وبذلك ذم الله من ذمه من مبدلة أهل الكتاب إذ قال: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
* وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ ﴾ [البقرة:101، 102] إلى قوله: ﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 102] .
وأما ما ورد في الكتاب والسنة وكلام السلف عن علاج السحر بعد وقوعه والإصابة به فهو كما يلي:


العلاج بالرقية الشرعية

أ- بالقرآن الكريم:

فالقرآن كله شفاء؛ قال تعالى: ﴿ قُلّ هُوَ لِلَّذينَ آمَنُوا هَدًى وَشِفَاءٌ ﴾ [فصلت: 44]، وقال سبحانه: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ ﴾ [الإسراء: 82]، وهناك سور وآيات مخصوصة في علاج السحر؛ منها:

• قراءة سورة البقرة، وفي حديث مسلم: "اقرأوا سورة البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة"، قال معاوية: بلغني أن البطلة السحرة.
• سورة الفاتحة؛ فعن خَارِجَةَ بنِ الصَّلْتِ التَّمِيمِيِّ عن عَمِّهِ: «أنَّهُ أتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فأَسْلَمَ، ثُمَّ أقْبَلَ رَاجِعًا مِنْ عِنْدِهِ، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ عِنْدَهُمْ رَجُلٌ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ بالْحَدِيدِ، فقال أهْلُهُ: إنَّا حُدِّثْنَا أنَّ صَاحِبَكُم هٰذَا قَدْ جَاء بِخَيْرٍ، فَهَلْ عِنْدَكُم شَيْءٌ تُدَاوُونَهُ؟ فَرَقَيْتُهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَبَرَأَ، فأَعْطُونِي مِائَةَ شَاةٍ، فأَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأَخْبَرْتُهُ، فقال: هَلْ إلاَّ هٰذَا؟ وَقال مُسَدَّدٌ في مَوْضِعٍ آخَرَ: هَلْ قُلْتَ غَيْرَ هٰذَا؟ قُلْتُ: لاَ، قال: خُذْهَا؛ فَلَعَمْرِي لَمَنْ أكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ لَقَدْ أكَلْتَ بِرُقَيْةِ حَقّ»، قال: «فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً كُلَّمَا خَتَمَهَا جَمَعَ بُزَاقَهُ ثُمَّ تَفَلَ، فكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ. رواه أبو داود.

• وفي عون المعبود كتاب الطب قال: قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلعل طَبًّا أصابه ثم نشره بـ(قل أعوذ برب الناس) أي رقاه)، والطب هو السحر سمي بذلك تفاؤلا.
فأنفع ما يستعمل في إذهاب السحر ما أنزل الله على رسوله في إذهاب ذلك، وهما المعوذتان، وفي الحديث (ولم يتعوذ المتعوذ بمثلهما)، وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشياطين .
• قال القرطبي: قال ابن عباس: من أخذ مضجعه من الليل ثم تلا هذه الآية: ﴿ مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 81] لم يضره كيد ساحر، ولا تكتب على مسحور إلا دفع الله عنه السحر .
• قال ابن أبي حاتم: عن ليث - وهو ابن أبي سليم - قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تعالى؛ تقرأ في إناء فيه ماء ثم تصب على رأس المسحور:
أ- ﴿ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [يونس: 81 - 82].
ب- ﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الأعراف: 118، 122].
ج- ﴿ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69] ا.هـ.

• وهناك آيات أخرى مجربة في فك السحر وإبطاله [48]:-
أ- قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57].
ب- قال تعالى: ﴿ قَالواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وابْعَثْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُل سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ الْغَالِبِينَ * فَلَمَّا جَآءَ السَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُمْ مُّوسَى أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ * فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُواْ آمَنَّا بِرَب الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 36-47].
ج- قال تعالى: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعْجَمِيًّا لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وشِفَآءٌ والَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 44]..
وآية الكرسي والمعوذتان وسورة الكافرون، وهذه الآيات مع التي قبلها في رقية المسحور بالإضافة إلى آيات الشفاء، وتكون الرقية بالنفث مباشرة على المسحور، أو بقراءتها على ماء نظيف ثم الاحتساء منه مع الاغتسال به في مكان طاهر، ويروى عن عائشة أنها كانت لا ترى بأسًا أن يعوذ في الماء ثم يعالج به المريض، أو بقراءتها على زيت الحبة السوداء ودهن جسد المسحور به، وثبت في صحيح البخاري أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام)، والسام: الموت.

ب- بالأدعية والتعوذات النبوية العامة لكل داء:

• عن ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: «كانَ رَسُولُ الله يُعَوِّذُ الْحَسَنَ والحُسَيْن؛ يَقُولُ: أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ. وَيَقُولُ: هَكَذَا كانَ إبراهيمُ يُعَوِّذُ إِسْحَاقَ وإِسْمَاعِيلَ عليهم السلام»، سنن أبي داود.
• عن ابنِ عبّاسٍ قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعو عندَ الكرْب؛ يقول: لا إلهَ إلاّ اللَّهُ العظيمُ الحليم، لا إله إلاّ اللَّهُ ربُّ السماواتِ والأرض وربُّ العَرشِ العظيم»، صحيح البخاري.
• عن هِشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن عائشةَ «أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي؛ يقول: امسح البأس، ربَّ الناس، بيدكَ الشفاء، لا كاشفَ له إلا أنت»، رواه البخاري.
• عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ شَكَا إِلَىٰ رَسُولِ اللّهِ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ: «ضَعْ يَدَكَ عَلَىٰ الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ. وَقُلْ: بِاسْمِ اللّهِ، ثَلاَثًا. وَقُلْ، سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ»، رواه مسلم.
• عن أبِي الدَّرْدَاءِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَن اشْتَكَى مِنْكُم شَيْئًا أو اشْتَكَاهُ أخٌ لَهُ فَلْيَقُلْ: رَبُّنَا الله الَّذِي في السَّماء، تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ في السَّمَاءِ وَالأرْضِ، كما رَحْمَتُكَ في السَّمَاء فاجْعَلْ رَحْمَتَكَ في الأرْضِ، اغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا أنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ أنْزِلْ رَحْمَةً مِن رَحْمَتِكَ وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الْوَجَعِ فَيَبْرَأُ»، رواه أبو داود.
• عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أبِيهِ عن جَدِّهِ: «أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنَ الفَزَعِ كَلِمَاتٍ: أعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأنْ يَحْضُرُونَ»، رواه أبو داود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

محتويات الموضوع