الأرحام الاصطناعية: من الخيال العلمي إلى الحقيقة

كان الأمر رهين أفلام الخيال العلمي، فالأطفال ينمون أو يُستنسخون في أرحام اصطناعية؛ بهدف التكاثر أو زراعة الأعضاء وغيرها، حتى صار الأمر أقرب للحقيقة، بعدما نجح فريق بحثي أمريكي في إبقاء ستة أجنة حملان في أرحام اصطناعية، وهي نظام خارجي مكون من كيس بلاستيك معقم ومغلق، به مواد مغذية، مثل السائل الأمينوزي في الرحم، ومرفق بآلة متصلة مع الحبل السري تعمل مثل المشيمة، وتوفر الغذاء، وتضخ الأكسجين، وتطرد ثاني أكسيد الكربون.
بقيت أجنة الحملان داخل الأرحام الاصطناعية نحو أربعة أسابيع، نضجت خلالها أدمغة الحملان ورئاتهم، ونجحت في فتح أعينها والبلع، ونما الصوف على ظهورها.

يتميز هذا النظام بالوسط المغلق المحتوي على السوائل، التي يتم تبادلها باستمرار، بما يحفظ مستوى السوائل في الجنين، ولاسيما في الرئتين، ومعدل نموها، والحفاظ على ضغط الممرات الهوائية.
لم تلقَ الأنظمة الخارجية فيما سبق نجاحًا كبيرًا، فالنظام المغلق يجعل من الصعب إجراء الفحوصات البدنية اللازمة للجنين أو سحب الدم، فضلًا عن التدخل الطبي الطارئ وصعوبة الوصول. لكن الفريق البحثي يشير إلى أن هذه المشكلات تم تلافيها، عن طريق إجراء الفحوصات بالموجات فوق الصوتية، وسحب عينات الدم، وتوفير دعم كامل للبيئة الداخلية للنظام، بما تحتويه من سوائل ومغذيات، ومنافذ معقمة للشفط والسحب، مع إمكانية إخراج الجنين على الفور، في حاله احتياجه للإنعاش.
إميلي بارتريدج، طبيبة بمستشفى الأطفال في فيلادلفيا، وأحد الباحثين.

تعود النسبة الأكبر في وفيات المولودين الجدد إلى الولادة قبل الأوان، فتصل نسبتها نحو ثلث المواليد، بجانب الإصابة بالشلل الدماغي والتشنجات، والعمى، والصمم، والتخلف العقلي في نحو 90% من هؤلاء المواليد، لذا تسعى الأبحاث العلمية في إيجاد سبل لإطالة فترة الحمل.

ومن الممكن أن تصبح التقنية جاهزة للتجربة على الأجنة البشرية في غضون نحو ثلاث إلى خمس سنوات، وفقًا لآراء العلماء.
لإنقاذ الجنين وحماية الأم

تستهدف التقنية تطبيقها على المولودين الخدج من الأسبوع 23 وحتى 25، كذلك من الممكن أن تستخدم في علاج حالات تأخر نمو الجنين الناتج من قصور المشيمة، أو إنقاذ الأجنة المهددة ولادتهم بعد إجراء طبي أو جراحي للجنين، وقد يصبح من الممكن ولادة الرضع المصابين بتشوهات خلقية بالقلب أو الرئة مستقبلًا، والتنبؤ بالولادة المبكرة للغاية، والقابلية الجينية لارتفاع خطر الوفاة أو المرض للخدج، وهي تقنية يمكن أن تنقذ حياة أطفال كثيرين.

كذلك تحمي هذه التقنية الأمهات من الآثار الجانبية للعقاقير والعلاجات التي تعطى للجنين، وبذلك يمكن تطبيق العلاج الجيني أو الدوائي أو العلاج بالخلايا الجذعية. وبالمثل، يمكن أن تحمي الأرحام الاصطناعية الأجنة من الأمراض والأدوية والمخدرات، التي قد توجد في جسم الأم.

ينتظر هذا الجهاز السريري مزيدًا من الأبحاث والتطبيقات؛ لتقييمها، وتطويرها، وضمان فاعليتها وأمانها، وما إن كان بالاستطاعة وضع الجنين في هذا النظام، خاصة بعد الولادة المهبلية، والتعامل مع التلوث والعدوى الجنينية.
الأرحام الاصطناعية لمسيرة مهنية ناجحة!

تثير مثل هذه التقنيات جدلًا اجتماعيًا وفلسفيًا وأخلاقيًا، خاصة فيما يتعلق باختبارها على البشر؛ كذلك لا يبدو أن كثيرًا من الآباء يشعرون بالحماسة حيال وجود جنينهم في كيس. إلا أن البديل هو وضع الطفل الخديج في حضانة خاصة، مع جهاز للتنفس الاصطناعي.

على الجانب الآخر، مع ظاهرة تأجير الأرحام وتجميد البويضات، والأرحام الاصطناعية مؤخرًا، تصاعد ثانية الجدل بين ثنائية العمل والإنجاب، واختيار عديد من النساء التقدم في مسيرتهن المهنية وتأجيل الإنجاب. بجانب لجوء شركات، مثل فيسبوك وأبل، إلى دفع المال للعاملات لديها من أجل تجميد بويضاتهن؛ للسعي خلف أهدافهن دون أن يضطررن للتخلي عن الإنجاب، أو لجوء بعضهن للأم البديلة، أو الأرحام الاصطناعية مستقبلًا، باعتبار أن ليس على المرأة أن تختار بين الأمومة أو النجاح المهني.

وهو ما قد ينعكس على المرأة العاملة بعدم سماح أرباب العمل لها بأخذ إجازة أمومة، وقد تفرض شركات التأمين الصحي على الأمهات العاملات اختيار الطريقة الاصطناعية؛ تجنبًا لدفع نفقات الحمل والولادة، والتعقيدات التي قد تصاحبهما.
مفهوم جديد للأمومة
باربرا كاتس روثمان، عالمة اجتماع بجامعة سيتي في نيويورك.

أثارت التقنية أبحاث ودراسات تتحدث عن تغير مفهوم الأمومة والإنجاب، بانتهاء معاناة آلام الولادة والمخاض، وتوفير الوقت بجانب حل مشكلات العقم، وما إن كنا على وشك استهلال عصر جديد بلا أمهات، تبدأ فيه التقنيات الطبية باستحداث بدائل طبية للوظائف الإنجابية للمرأة، فتصبح عملية رهينة الآلات.

إلى جانب تخوفات من تحول مختلف تقنيات الأرحام الاصطناعية إلى محاضن لتوليد أطفال يجري استغلالهم في أعمال مختلفة، ولاسيما الجماعات المتطرفة، أو مخاطر تتعلق بتعطل هذه الآلات أو انقطاع التيار الكهربائي، خاصة في الدول النامية؛ ما يهدد حياة هؤلاء الأطفال.

فيما يعترض البعض على تطبيق هذه التقنيات؛ تخوفًا من استخدامها لزرع جنس محدد للجنين، والتحكم في الصفات الوراثية، والمعايير وأسس الاختيار في حالة الإعاقات. وهي ممارسات تتم بالفعل، مثل تلك المتبعة في إجراء الإخصاب الخارجي، وهي جميعها عوامل تحدد الدعم المتوقع المقدم لهذه التقنية، وما إن كانت موجهة لصالح الآباء، أم يمكن أن يساء استخدامها بطريقة أخرى.
إجهاض ولكن

لكن ماذا لو أرادت المرأة إجهاض جنينها، فهل يحق لها اتخاذ القرار بوفاته، مع وجود وسيلة خارجية يمكن من خلالها أن يكمل الجنين فترة الحمل؟ أم أن من حقها فقط إزالته من جسدها، دون أن تتخطى صلاحياتها أمر حياة الجنين من عدمه؟ فهنا يصبح للإجهاض معنى مختلف، وتختفي الخطوط الفاصلة ما بين الجنين والطفل الرضيع، بعدما أخبرتنا التكنولوجيا أن الإنجاب خارج الرحم قد يصبح حقيقة عما قريب. وهو ما قد يغير من سياسات الإجهاض، بحسب دينا ديفيس، عالمة أخلاقيات البيولوجيا في جامعة ليهاي.

يرى البعض أن من حق المرأة أن ترغب بألا تكون أمًا، كذلك بما أن الجنين يحمل المادة الوراثية للأم والأب فيحق لهما أن يحتفظا بـ«خصوصيتهما الجينية»، فضلًا عن أن الأم تصبح مالكة للجنين؛ ما يعني أنه يصبح أحد «ممتلكاتها».

لكن يدحض آخرون هذه الحجج بقولهم إن للمرأة الحق في إنهاء الحمل والتمتع باستقلالها لكن هذا لا يتعدى إلى حرمان الجنين من حقه في الحياة، وأن حقهن في الحفاظ على خصوصيتهن الوراثية ينحصر فقط في حالة إساءة استخدام المعلومات الوراثية، ولا يتبع ذلك بالضرورة موت الجنين. وبالمثل، لا يعني حق ملكية الوالدين للجنين حرية اتخاذ قرار موته.

فمن الممكن أن يتخلى الأبوان عن أي من التزاماتهما تجاه الطفل، والبحث عن عائلة أخرى له. ما يثير من جديد مفهوم الإجهاض، وما إن كان لا يعني فقط إنهاء الحمل، لكن التخلص من الجنين أيضًا بموته. لكن يرى بعض الآباء أنه حتى مع عدم فرض أية التزامات عليهم بالحفاظ على حياة الطفل في رحم خارجي، يبقى لديهم إحساس بالمسئولية والالتزام، فضلًا عن التبعات الاجتماعية والمادية التي تتعلق بتكاليف إبقاء الجنين في رحم اصطناعي، والبحث عن عائلة على سبيل المثال.

تمنح التكنولوجيا الجديدة المرأة خيارات لم تكن متاحة من قبل، فمن المتوقع أن يتعين على المرأة مستقبلًا في حالة رغبتها في الإجهاض تحديد الإجراءات الطبية، واختيار ما يوافقها. إلا أن بعض الباحثين يرون أن مع ضمان حق الاستقلال الذاتي والجسدي للمرأة، ووجود خيار بقاء الجنين على قيد الحياة، يصبح الخيار الأخير ضرورة أخلاقية بالحفاظ على حياته.

لا ترى دينا ديفيس أن من الملائم تطبيق هذه التقنية على البشر فتقول: “إذا كانت المسألة وفاة الطفل مقابل ولادة طفل يحتاج بعد ذلك إلى أن يعيش حياته كلها في مؤسسة ما، فإنني لا أعتقد أن ذلك أفضل، وقد يعتقد بعض الآباء أن ذلك أفضل، لكن كثيرين لن يعتقدوا ذلك”.

يبقى الجدل الأخلاقي والاجتماعي قائمًا، لكن يشير ألان فليك، جراح الأجنة بمستشفى الأطفال في فيلادلفيا والباحث الرئيس بالدراسة، إلى أن مثل هذه المخاوف يجب أن تضع في الاعتبار أن هذه التقنية تقلل مخاطر الوفاة والإعاقات، مشيرًا إلى أنه لا يفكر في تطبيق هذه التقنية على الأجنة في وقت مبكر من الحمل قبل الأسبوع 23 ولا يعتقد أن ذلك من الممكن، وأنه محض خيال في الوقت الحاضر.

محتويات الموضوع