في منتصف يوليو / تموز من كل عام يتدفق على ولاية كاليفورنيا بعض أغنى رجال العالم وأكثرهم تأثيرا ونفوذا , عمالقة المال والاقتصاد , غيلان النفط , جهابذة السياسة , صناع القرار , ملوك الإعلام , سادة هوليوود , مع بعض نجوم الفن والأدب والموسيقى .. هؤلاء جميعا يمضون إلى وجهة واحدة ,
إلى قطعة أرض مملوكة للنادي البوهيمي في سان فرانسيسكو , تعرف بأسم البستان أو الحديقة البوهيمية (bohemian grove ) , وتقع في عمق غابة السكويا العملاقة بمساحة 2700 فدان . والمعروف أن أشجار السكويا هي الأضخم على وجه الأرض , هي ديناصورات عالم النبات , طول بعضها يتجاوز مائة متر وقد يصل محيطها لأكثر من 9 أمتار , أما أعمارها فتتراوح بين بضعة مئات وعدة آلاف من السنين .
ماذا يفعل كل أصحاب النفوذ هؤلاء في تلك الغابة العملاقة؟
الغرض المعلن هو التخييم والاستجمام لمدة أسبوعين . لكن لسنوات طويلة أثار اجتماع هذا العدد الكبير من الرجال المؤثرين في صناعة القرار في أمريكا والعالم الكثير من التساؤلات حول حقيقية وطبيعة ما يجري فعلا في ذلك البستان , هل يعقل بأن هؤلاء الرجال المهمين والمشغولين جدا يتركون كل شيء وراء ظهورهم ويأتون لقضاء عطلة في هذه الغابة المعزولة , يتركون أعمالهم وقصورهم وأسرتهم الوثيرة ليناموا أسبوعين داخل الخيم في العراء بين الأشجار . خصوصا حين نعلم بأن هاذين الأسبوعين تتخللها بعض الطقوس التي أقل ما يقال عنها بأنها غريبة . وهو ما دفع بعض الناس إلى الاعتقاد بأن هذا اللقاء السنوي في البستان هو أعظم خطرا وأجل شأنا مما هو معلن , وأن وراء الأجمة ما وراءها من أسرار وخبايا خطيرة .
إدارة النادي البوهيمي , المالكة للبستان , تقول بأن كل ما يدور من لغط وأقاويل وتهاويل حول مخيمها الصيفي هي مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة يروج لها أولئك المهووسون بنظرية المؤامرة . فيرد هؤلاء قائلين :
- إذا كان ما يجري في المخيم برئ فعلا فلماذا يحاط البستان بسياج وخندق وحراسة مشددة ويمنع دخول غير الأعضاء إليه . ولماذا لا يسمح للنساء بدخوله , ولماذا يتم منع وسائل الأعلام من تصوير وتغطية ما يجري في الداخل , ولماذا أصلا التخييم في هكذا بقعة معزولة ؟ .
- كيف يمكن تفسير وتبرير اجتماع كل هذا العدد من صناع القرار وأصحاب النفوذ والثراء والشهرة في مكان وزمان واحد , وهل يعقل بأنهم يقضون أسبوعين كاملين معا دون أن يتداولوا في أمور السياسة ويخططوا لشؤون العالم . تذكروا بأننا هنا لا نتكلم عن أناس عاديين , بل عن أشخاص بمستوى رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وأفراد بارزين في مجلس الشيوخ , وضباط وجنرالات ومدراء رفيعي المستوى في مختلف مفاصل الدولة , ليس في أمريكا فقط , بل في دول مهمة أخرى , هل يعقل بأن يجتمع كل هؤلاء لمدة أسبوعين ليستمعوا إلى الموسيقى الهادئة ويقرءوا الشعر لبعضهم ! .
- وما سر تلك الطقوس المريبة التي تجري داخل البستان تحت جنح الظلام , كيف يعقل بأن أشخاص بهذا المستوى من النفوذ والمركز الاجتماعي يوافقون على ارتداء ملابس غريبة تشبه ملابس الكهنة القدماء وهم يحملون المشاعل ويترنمون بالأغاني ذات الطابع الوثني مجتمعين حول صنم على هيئة بومة عملاقة .
لكن أولا وقبل أن نخوض في هذه الأسئلة ونتعمق في السير داخل ذلك البستان المريب .. دعونا نأخذ لمحة عن أسم النادي ونشأته .
ما معنى بوهيمي؟
هو مصطلح ذو أصل فرنسي , مشتق من أسم مقاطعة بوهيميا في جمهورية التشيك التي كان الغجر الروما يصلون عبرها إلى فرنسا في مطلع القرن التاسع عشر , لهذا أصبحت كلمة بوهيمي تعني غجري , أي أنها في جذورها كانت تشير إلى الحياة الغجرية القائمة على الحرية وعدم الالتزام بتقاليد المجتمع وغرابة الملبس والطقوس والعادات , وبالتدريج تحولت إلى مصطلح يطلق عموما على الفنانين من موسيقيين ورسامين ونحاتين وأدباء وشعراء الخ.. الذين يعيشون حياة غير تقليدية أو غير نمطية تشبه حياة الغجر , فتراهم يعيشون لفنهم , يعشقون بلا قيود , لا يبالون بما يحمله الغد , لا يهتمون بهندامهم , لا يكترثون لآراء الآخرين , لا يسعون وراء المال ولا يقيمون اعتبارا لأعراف المجتمع وتقاليده كأنما يعيشون في عالم خاص بهم . وغالبا ما تقترن البوهيمية بالفقر والتشرد , أما لأن البوهيمي هو فعلا إنسان متشرد وفقير , أو لأنه اختار هذا النمط من الحياة .مصطلح البوهيمية يمكن أن ينسحب حتى على الناس العاديين الذين يعشقون الفن والموسيقى أو يميلون لمجالسة أهل الفن ويعيشون حياتهم كيفما أتفق بدون تكلف ولا يهتمون كثيرا لمظهرهم وتصرفاتهم وآراء الآخرين فيهم .
النادي البوهيمي
بحلول منتصف القرن التاسع عشر انتشرت البوهيمية في عموم أوربا وعبرت المحيط إلى أمريكا , أصبحت كالموضة أو التقليعة بين الفنانين والأدباء , وبالتدريج ظهرت جمعيات ونوادي خاصة بالبوهيميين , منها النادي البوهيمي في سان فرانسيسكو الذي تأسس على يد مجموعة من الصحفيين الشباب عام 1872 , والذي لم يكن في بدايته سوى غرفة متواضعة مستأجرة يلتقي فيها هؤلاء الشباب لتبادل الآراء , ثم توسع النادي شيئا فشيئا وضم إلى صفوفه بعض الموسيقيين والفنانين , ولم تعد تلك الغرفة الصغيرة تتسع للأعداد المتزايدة من الأعضاء , كانت هناك حاجة ماسة لتوسعة النادي , لكن معظم أعضاءه كانوا من الشباب المعدمين الذين يفتقرون إلى المال , لذلك قررت إدارة النادي تخفيف قيود الحصول على العضوية , لتتيح الفرصة أمام الأغنياء من ذوي الميول الفنية للانضمام , وبالتالي الاستفادة من مواردهم المالية في توسعة النادي .وهكذا دخل الأغنياء وأرباب الصناعة والسياسة إلى النادي , وبمرور الوقت أصبحوا هم المتحكمين والمهيمنين على أموره ومقاليده فيما أصبح الفنانين مجرد أقلية على الهامش . أي أن النادي لم يعد يحمل من البوهيمية سوى أسمها , لهذا قال عنه الكاتب الشهير أوسكار وايلد ساخرا حين زاره عام 1882 : " في حياتي لم أشاهد هذا العدد الكبير من البوهيمين المتأنقين والشبعانين والذين يبدون كرجال الأعمال" ! .
البستان البوهيمي
في عام 1878 أراد النادي تكريم أحد أعضاءه المؤسسين , وهو ممثل مسرحي يدعى هنري أدواردز , بمناسبة انتقاله إلى مدينة نيويورك , فقرروا توديعه بإقامة حفل كبير على شرفه , وأقيم هذا الحفل في إحدى الغابات المحيطة بسان فرانسيسكو , حيث عزفوا وغنوا وقرءوا الشعر وشربوا الجعة حتى ساعة متأخرة من الليل , وبنهاية الحفل نصب أعضاء النادي خيمهم بين الأشجار وناموا ليلتهم في الغابة .الأعضاء الذين شاركوا بالحفل قالوا بأنهم استمتعوا كثيرا , لذا قررت إدارة النادي تكرار نفس الحفل في العالم التالي , وهكذا تحول الاحتفال والتخييم في الغابة بالتدريج إلى مناسبة سنوية .
في البداية لم يكن لدى أعضاء النادي مكان محدد للتخييم , في كل سنة كانوا يخيمون بمكان مختلف , حتى عام 1893 عندما قامت إدارة النادي باستئجار الموقع الحالي للبستان البوهيمي ثم أشتروه من مالكه الأصلي عام 1899 . وعلى مر السنين أشتروا مزيدا من الأراضي المحيطة وألحقوها بالبستان , وتم إنشاء وتشييد العديد من الأقسام والمنشآت داخل البستان .
قوانين البستان
- الحصول على العضوية لا يكون عن طريق الطلب ولكن بالاختيار , أي لا يمكن لأي شخص الحصول على عضوية النادي حتى لو طلب ذلك , الطريقة الوحيدة لتصبح عضوا هي أن يتم اختيارك من قبل النادي وترسل إليك دعوة للانضمام . طبعا يمكن للأعضاء الحاليين ترشيح أشخاص يعرفونهم للحصول على العضوية , لكن ترشيح شخص ما لا يعني بالضرورة أنه ستتم الموافقة عليه .
- العضوية مقصورة على الرجال فقط .
- العضو الذي يمضي أربعين عاما في النادي يمنح رتبة "الحرس القديم" ويكون له مجلس دائم خاص به .
- يمكن للأعضاء أن يصطحبوا معهم عددا محدودا من الضيوف إلى البستان , ويمكنهم اصطحاب عائلاتهم أيضا في مناسبات معينة , لكن على النساء مغادرة البستان قبل حلول التاسعة مساءا .
- لا يسمح بتواجد النساء أطلاقا خلال فترة التخييم الصيفية , وهذه الفترة تمتد لأسبوعين بدءا من منتصف شهر يوليو / تموز من كل عام , حيث يجتمع الأعضاء وتغلق الأبواب دونهم وتكون هناك الكثير من الفعاليات والأنشطة داخل المخيم .
- عند مدخل البستان هناك عبارة تقول : " العناكب الناسجة لا تأتي إلى هنا" , أي يجب عدم استغلال التواجد في البستان لعقد التحالفات السياسية والصفقات التجارية والمشاريع . لكن عمليا لا يتم الالتزام بهذا الشعار , فالكثير من الصفقات الكبيرة تعقد خلال الجلسات الخاصة بين الأعضاء داخل المخيم . ولعل أشهر ما تم التوافق عليه داخل البستان هو مشروع مانهاتن النووي عام 1942 والذي قاد في النهاية إلى تصنيع القنبلة النووية .
- يمكن للأعضاء التبول حيثما شاءوا داخل البستان ! .
مثير للجدل
على مر السنين راقب الكثير من الناس , داخل الولايات المتحدة وخارجها , ما يجري داخل البستان بعين الريبة والشك , لا بل أن هناك احتجاجات تقام أحيانا أمام بوابة البستان للمطالبة بالكشف عما يجري بالداخل .. هناك سؤال يلح على عقول الكثير من الناس , وهو لماذا يجتمع كل هذا العدد الغفير من الساسة وأصحاب النفوذ والأثرياء في هذا البستان الذي من المفترض أن يكون مخيما للفنانين البوهيميين الفقراء ! .لماذا يغلقون الأبواب دونهم لمدة أسبوعين ويمنعون أي أحد من الدخول ؟ .. لماذا هذا التمييز ضد النساء في بلد يعد في طليعة البلدان المنادية بحرية وحقوق المرأة .
تذكر عزيزي القارئ بأننا نتحدث هنا عن شخصيات بمستوى رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية , هل هي من المصادفات أن جميع رؤساء الولايات المتحدة – الجمهوريين منهم تحديدا مع بعض الديمقراطيين - منذ عام 1923 وحتى يومنا هذا كانوا أعضاء بالنادي ؟! .. وأن معظم نواب الرئيس والمرشحين للرئاسة يأتون عبر بوابة هذا البستان , وأن غالبية صقور الحرب الأمريكيين هم أعضاء في هذا النادي .
لماذا يولون أهمية كبرى لهذا النادي المولع بالتخييم في الغابة ! .. إلى درجة أن الرئيس هربرت هوفر قال مرة بأن عضويته في النادي هي أعظم شانا حتى من منصبه كرئيس لأمريكا .
لماذا تمنع النساء من الدخول , ولماذا يتفاخر أعضاء النادي بإخراج أعضائهم التناسلية أمام بعض والتبول علنا , لماذا ينامون معا في خيم صغيرة لمدة أسبوعين , لماذا البعض منهم يرقص وهو يرتدي ملابس نسائية فاضحة .. هل هو نادي للشذوذ الجنسي ؟.
الرئيس ريتشارد نيكسون الذي كان عضوا في النادي مع الرئيس رونالد ريغن قال مرة في حوار خاص على الهاتف جرى تسجيله من دون علمه بأن ما يجري في البستان هو أكثر مما يمكن للمرء أن يتصوره من ناحية الشذوذ الجنسي .
تذكر عزيزي القارئ بأننا نتحدث هنا عن شخصيات بمستوى رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية , هل هي من المصادفات أن جميع رؤساء الولايات المتحدة – الجمهوريين منهم تحديدا مع بعض الديمقراطيين - منذ عام 1923 وحتى يومنا هذا كانوا أعضاء بالنادي ؟! .. وأن معظم نواب الرئيس والمرشحين للرئاسة يأتون عبر بوابة هذا البستان , وأن غالبية صقور الحرب الأمريكيين هم أعضاء في هذا النادي .
لماذا يولون أهمية كبرى لهذا النادي المولع بالتخييم في الغابة ! .. إلى درجة أن الرئيس هربرت هوفر قال مرة بأن عضويته في النادي هي أعظم شانا حتى من منصبه كرئيس لأمريكا .
لماذا تمنع النساء من الدخول , ولماذا يتفاخر أعضاء النادي بإخراج أعضائهم التناسلية أمام بعض والتبول علنا , لماذا ينامون معا في خيم صغيرة لمدة أسبوعين , لماذا البعض منهم يرقص وهو يرتدي ملابس نسائية فاضحة .. هل هو نادي للشذوذ الجنسي ؟.
الرئيس ريتشارد نيكسون الذي كان عضوا في النادي مع الرئيس رونالد ريغن قال مرة في حوار خاص على الهاتف جرى تسجيله من دون علمه بأن ما يجري في البستان هو أكثر مما يمكن للمرء أن يتصوره من ناحية الشذوذ الجنسي .
الرئيس بيل كلينتون تحدث مرة بسخرية وتهكم عن النادي حين سألوه عنه قائلا : "النادي البوهيمي! هل قلت النادي البوهيمي؟ ذلك المكان الذي يذهب إليه الجمهوريون الأغنياء ويقفون عرايا أمام جذوع أشجار السكويا , أنا لم أذهب أبدا إلى النادي البوهيمي , لكن يجب عليك أنت الذهاب , أنه جيد لك , ستحصل على بعض الهواء النظيف" .
سخرية كلينتون لم تأتي من فراغ , فهناك لغط وشائعات كثيرة حول ما يجري داخل البستان فيما يتعلق بالعري والممارسات الجنسية , هناك اعترافات وتسجيلات لبعض أعضاء النادي وشهادات لعاملين سابقين فيه تزعم بأن هناك صبيان صغار وشبان مراهقين يتم جلبهم للبستان لغرض ممارسة الجنس معهم من قبل أعضاء النادي مقابل المال أو وعود بمنح جامعية ووظائف مغرية . لا بل أن هناك شهادات تزعم بأنه يتم اختطاف الصبيان الصغار ويجلبون إلى البستان لكي يتم اغتصابهم على يد بعض السياسيين أصحاب النفوذ ثم يتم التضحية بهم في طقوس شيطانية .
هناك شهادة لشاب يدعى بول بونتاسي – موجودة على يوتيوب – يقول فيها أمور فظيعة يعجز العقل عن تخيلها , حيث يزعم بأنه تعرض للاختطاف في سن السادسة , واحتجز قسرا هو وأطفال آخرين على يد لورانس كنغ وأشخاص آخرين مرتبطين بالحزب الجمهوري الأمريكي , وأنهم اغتصبوا مرارا من قبل رجال كبار في السن من أصحاب النفوذ , وفي سن الثانية عشر أخذوه هو وصبي آخر أسمه نيكولاس إلى البستان البوهيمي لكي يتم اغتصابهما من قبل أعضاء النادي , هناك اجبروهما على ممارسة الجنس مع صبي آخر كان أعضاء النادي قد اختطفوه . يقول بونتاسي بأن أولئك الرجال والشيوخ جلسوا يتفرجون عليهم ويضحكون , ثم قاموا واغتصبوا ذلك الصبي المختطف جماعيا وداسوا على رأسه حتى الموت ثم رموا بجثته في الغابة .
هذه الشهادة كانت جزءا مما عرف لاحقا بأسم فضيحة فرانكلين التي تم التغطية عليها إعلاميا وتبرئة جميع المتهمين فيها من قبل المحكمة لعدم توفر الأدلة , وبحسب بعض الشهود في تلك القضية فأنه بين عامي 1988 – 1991 تم اختطاف عدد من الصبية وإجبارهم على ممارسة الجنس مع سياسيين وأشخاص متنفذين , وأن هؤلاء الصبية كان يتم تداولهم بين هؤلاء السياسيين فيما عرف لاحقا بأسم "حلقة الجنس" , وتم قتل بعضهم لاحقا وقدمت أجسادهم كقرابين خلال طقوس سرية تشتمل على عبادة الشيطان والاغتصاب والقتل وأكل لحوم البشر ! . ويربط الكثيرين بين هذه الطقوس المزعومة وتلك التي تقام سنويا داخل البستان البوهيمي.
جدير بالذكر أن هذه الشهادات والمزاعم لا يمكن التحقق من مصداقيتها أبدا وهناك لغط وجدل طويل حولها , أقول هذا لكي لا يؤخذ ما أكتبه هنا على أنه من المسلمات . لكن هذه الشهادات أثارت حماس أنصار نظرية المؤامرة ودفعت العديد منهم للمخاطرة والمجازفة من اجل معرفة حقيقة ما يجري داخل البستان , وبالفعل تمكن بعضهم من التسلل إلى هناك ونقلوا لنا بعض الشهادات الحية الفريدة .
فيليب ويز , اليهودي المناهض للصهيونية , تمكن عام 1989 من التسلل إلى البستان والبقاء هناك لعدة أيام خلال فترة التخييم الصيفي , وقد كتب عن تجربته ساخرا : "أنت تعلم بأنك داخل البستان البوهيمي ما أن تسير نزولا عبر درب في الغابة فيتناهى إلى سمعك عزف بيانو قادم من مجموعة من الخيام ثم تلتفت لتشاهد أمامك رجلا يمسك بقدح الجعة بيد وعضوه الذكري باليد الأخرى وهو يتبول فوق الأحراش , هذا هو الطقس الأكثر مجدا وعظمة في المخيم , أي حرية هؤلاء الرجال أصحاب النفوذ والثراء في التبول حيثما يشاءون!" .
أما الصحفي أليكس جونز , المهووس بنظرية المؤامرة , فقد كان أكثر تفصيلا وتهويلا في وصف ما يجري داخل البستان بعدما نجح بالتسلل إليه عام 2000 برفقة مساعده المصور مايك هانسون وتمكنا معا من تصوير الطقوس المثيرة للجدل التي يقوم بها أعضاء النادي أمام صنم البومة . هذه الطقوس تعرف بأسم حرق الهموم والهواجس (Cremation of Care ) , حيث أن كلمة (Care ) هنا لا تعني الرعاية والعناية وإنما تشير إلى معنى أو مفهوم قديم للكلمة يدل على القلق والخوف .
الطقس بأكمله عبارة عن أوبريت أو مسرحية تؤدى من قبل مجموعة كبيرة من أعضاء النادي وهم يرتدون ملابس غريبة تشبه ملابس الكهنة القدماء, أو أشبه ما تكون بزي عصابة كوكلوكس كلان العنصرية التي نشطت في جنوب الولايات المتحدة ضد السود . يرافق العرض الكثير من المؤثرات الصوتية والبصرية , ويكون المسرح مفتوحا في الهواء الطلق , وهناك تمثال ضخم من الخرسانة بطول 12 مترا على هيئة بومة يقبع مباشرة وراء جوقة الممثلين الذين يحملون المشاعل , والبومة هي الشعار الرسمي للنادي , وتعد رمزا للحكمة . أما قبالة الممثلين فتوجد بحيرة صناعية صغيرة تفصل ما بين المسرح ومقاعد المتفرجين , وهم عموم أعضاء النادي , وتستعمل البحيرة أيضا لجلب القربان الذي سيتم حرقه على المذبح أمام صنم البومة .
وترمز عملية الحرق هذه إلى حرق هموم وهواجس أعضاء النادي لمدة سنة كاملة , أي حتى التقائهم في العام القادم , وتعد أيضا طقسا لأبعاد الشياطين عن المخيم وأشجار البستان . هذا هو المعنى والمغزى الرسمي للمسرحية بحسب القائمين عليها . لكن أليكس جونز وغيره من أنصار نظرية المؤامرة يجدون في تلك الطقوس رموز ودلالات أخرى غير معلنة , فما يجري برأيهم هو طقس وثني وليس مجرد عرض مسرحي , والبومة هنا ترمز إلى مولوخ أو ملوك , وهو صنم كان يعبد في بلاد الشام القديمة من قبل الكنعانيين والفينيقيين , وبحسب التوراة فأن الناس كانوا يقدمون أطفالهم قرابين لهذا الصنم , حيث يتم حرقهم وهم أحياء أمام عيون أبائهم وأمهاتهم . وبرأي أليكس جونز فأن حرق الصلبان خلال العرض هو خير دلالة على وثنية الطقوس بغاية التقرب إلى الشيطان , ويذهب أبعد من ذلك فيزعم بأن القربان الذي يتم حرقه خلال المسرحية هو ليس مجرد دمية كما يزعم القائمون على العرض , بل هو طفل حقيقي تتم التضحية به , ويتم التستر على هذه الجريمة وراء نفوذ أعضاء النادي . والهدف من هذه الطقوس ككل هو التقرب إلى الشيطان لكي تزداد هيمنة وسيطرة أعضاء النادي على العالم .
طبعا قد يقول قائل : كيف يعقل أن يتواطأ آلاف من أعضاء النادي على هكذا جريمة بشعة , خطف طفل وقتله ثم حرقه , وفيهم فنانون مرهفو الحس ورجال قانون ومدافعون عن حقوق الإنسان وضباط جيش وشرطة , والجواب هو ليس شرطا بأن الجميع يعرفون حقيقة ما يجري , ربما معظم الحضور من الأعضاء يعتقدون بأن ما يشاهدونه هو مسرحية حقا , في حين أن قلة قليلة من أصحاب النفوذ المسيطرون على النادي هم فقط من يعلمون بالحقيقة , وهؤلاء لم يخدعوا زملائهم في النادي فقط , بل خدعوا العالم أجمع على مر السنين , لفقوا العديد من الكوارث والأحداث الكبرى وحولوا البشرية بأسرها إلى مجرد كومبارس في مسرحية مجنونة يذبح خلالها آلاف وملايين الأبرياء كقرابين .
آراء أليكس جونز برأيي تبدو صعبة التصديق , لكن مقطع الفيديو الذي يصور المسرحية أو الطقوس موجود على النت ويمكنك عزيزي القارئ مشاهدته بنفسك لتقرر فيما إذا كان ما يجري مجرد مسرحية أم نوع ما من الطقوس الشيطانية .
الصنم مولوخ
نظرية أليكس جون تتمحور حول تمثال البومة , فهل هو فعلا تجسيد لصنم الإله مولوخ ؟ ..بحسب التوراة فأن سكان بلاد الشام القدماء , الكنعانيون والفينيقيون , وكذلك العمونيين – شمال الأردن - , عبدوا صنما أسمه مولوخ , وأغلب الظن أن مصدر هذا الأسم مشتق من كلمة ملك أو ملوك السامية . والظاهر أن العبرانيون كانوا يعبدونه أيضا , لا ننسى بأن جميع هؤلاء هم شعوب سامية , وكانوا يعيشون جنبا إلى جنب , ولهذا طالبت التوراة في أكثر من موضع أتباعها العبرانيون – قدماء اليهود – عدم المشاركة بهذه الطقوس وحرمت عليهم تقديم أطفالهم كأضاحي وقرابين لهذا الإله كما يفعل الكنعانيون والفينيقيون.
وعلى ما يبدو فأن مولوخ كان نوعا من الأرباب ذات الطبيعة الشريرة , ربما كان ربا للتطهير والتكفير عن الذنوب , ولهذا كان الناس يقدمون له أطفالهم كقرابين لكي يدفعوا الشرور ويتطهروا من الذنوب . كان الصنم على هيئة إنسان برأس ثور , وهو مصنوع من المعدن , ربما من النحاس , يظهر جالسا على عرشه وهو يمد يديه كأنما يستعد لاستلام شيء ما , وكان الكهنة يضرمون النار تحت كفيه حتى تصبح حمراوتان كالجمر , ثم يأتي والد الطفل الضحية فيضع أبنه بين راحتي الصنم فيحترق الطفل حتى الموت .
بعض المصادر الإغريقية تزعم بأن الصنم كان على طبقات , كل طبقة يتم وضع صنف معين من القرابين داخلها , يعني في الطابق الأول توضع الحيوانات , في الثاني توضع الفواكه والخضروات , في الثالث يوضع الأطفال وهكذا .. ثم يتم تسخين الصنم حتى يغدو لونه أحمر كالجمر فتحترق وتتفحم القرابين داخله , وقد زعموا بأن الصنم يبدأ بالضحك والقهقهة عند إشعال النار فيه . وكان على أم الطفل أن تقف وتشاهد وتستمع لعذابات ونحيب طفلها وهو يشوى حيا داخل الصنم من دون أن تذرف دمعة واحدة , لأنها لو بكت فأن قربانها لن يقبل .
وبحسب المصادر الرومانية فأن هذه الممارسة أو العبادة امتدت إلى شمال أفريقيا حيث توجد المستعمرات الفينيقية , وبأنه أثناء حصار قرطاجة في تونس من قبل الرومان عام 149 قبل الميلاد – والذي انتهى بمسح المدينة من الوجود - قام السكان بالتضحية بأكثر من 200 طفلا من أطفال العائلات النبيلة إلى الصنم مولوخ لدرء خطر الرومان عن مدينتهم , وكانوا قبل ذلك يضحون بأولاد العبيد فقط , فكان الرجل الغني منهم يتبنى طفلا ويربيه مع أطفاله لغرض تقديمه لاحقا كقربان للإله من اجل دفع الشرور عن عائلته.
الغريب في كل ما ذكرناه أعلاه هو أن الفينيقيين والكنعانيين أنفسهم سكتوا تماما عن ذكر مولوخ في مصادرهم , لم يتحدثوا أبدا عن أله يقدمون له أطفالهم حرقا ! . ولم يتم العثور أبدا على أي صنم لمولوخ في الخرائب والآثار المنتشرة في طول وعرض بلاد الشام , باستثناء بعض الأدلة الغير قاطعة التي تم العثور عليها في معبد عموني وتشير على ما يبدو إلى التضحية بالأطفال حرقا .
في الواقع كل ما لدينا من قصص عن مولوخ مصدره أعداء الفينيقيين والكنعانيين .
افتقاد الدليل الأثري دفع البعض للتشكيك بقصة حرق الأطفال برمتها , لكن لأن الرواية وردت أصلا في نص ديني مقدس فقد حاول البعض تبريرها وتفسيرها على أنها لا تعني الحرق بمعنى الحرق الحقيقي , وإنما تعني التطهير بالنار , أي أن سكان بلاد الشام القدماء كانوا يمررون أطفالهم داخل النار بسلام أو يجعلوهم يسيرون بين شعلتين من اللهب لكي يطهروهم فقط أو كشكل من إشكال التضحية الرمزية , إذ لا يعقل أن تقف أم وهي تنظر إلى فلذة كبدها يصرخ ويتلوى وهو يشوى حيا داخل فرن ملتهب من دون أن تذرف دمعة ! .
أنا شخصيا أميل لهذا الرأي الأخير , أي التطهير , أو التضحية الرمزية , مع أني لا أنفي بأن التضحية بالبشر للآلهة كانت تتم أحيانا في بلاد الرافدين والنيل والشام , وكذلك في أوربا الوثنية , لكن ليس على نحو موسع ومبالغ فيه كما هو الحال مع بعض الحضارات القديمة في أميركا الوسطى والجنوبية كالازتك والمايا .
بالعودة إلى موضوعنا عن البستان البوهيمي فنحن نتساءل : لماذا تم تصوير مولوخ على شكل بومة في حين أن الثابت تاريخيا هو أنه كان على شكل إنسان برأس ثور ؟ . هل يعني ذلك بأن ما يقوله أعضاء النادي من أن تمثال البومة في بستانهم يرمز إلى الحكمة هو الصواب وليس كلام أليكس جونز , وبأن تلك الطقوس برمتها ليست فعلا سوى جزء من مسرحية بريئة ؟ .
لكن علينا أن نتذكر بأن البومة لا ينظر إليها دائما على أنها رمز للحكمة والمعرفة , وأن جميع الرموز قد تعطي معاني مختلفة بحسب نظرة كل شعب إليها . فالعديد من الشعوب شرقا وغربا تنظر إلى البومة على أنها نذير شؤم ورمز للموت والخراب – ربما لأنها تعيش في الخرائب - , وكان مجرد سماع صوتها يعني بأن شخصا ما سيموت تلك الليلة .
البومة ترمز أيضا إلى ليليث , وهي روح شريرة , شيطانة قديمة من بلاد الرافدين , تجلب المصائب والنحس والمرض , وقد ورد ذكرها في الكتاب المقدس . ويعود أصل أسطورة ليليث إلى حقبة السومريين . أما في العصر الحديث فأصبحت ليليث رمزا مهما لدى العديد من الطوائف والجماعات السرية .
وحتى لو نظرنا للبومة على أنها رمز للحكمة كما كان ينظر إليها الإغريق , فأن المعنى هنا غير مكتمل , لأن البومة لا ترمز إلى الحكمة بصورتها المجردة , بل هي في الحقيقة ترمز إلى المعرفة التي توصلك وتقودك إلى الحكمة المخفية عن أعين وفكر الآخرين . فالبومة كائن ليلي , وكأنك هنا تستعين بعيونها الخارقة لتبصر في لجة الظلام بينما الآخرون عميان لا يبصرون .
خلاصة القول بأن البومة تحمل أوجها ومعاني مختلفة , وهي إذ ترمز للحكمة اليوم , فقد كانت ترمز إلى أمور أخرى في الماضي , ومع أنه لا يوجد ما يربط بين البومة والصنم مولوخ , لكن ذلك لا يمنع من أن تكون للبومة دلالات سحرية لدى بعض الطوائف والجماعات السرية , وبحسب البعض فأن هذا الرمز من الأهمية بمكان إلى درجة أن تلك الطوائف السرية التي تسيطر على العالم أدرجته سرا في عملة الدولار الأمريكي , فهو مرسوم بشكل دقيق جدا بحيث لا تلاحظه العيون .
هل ما يجري في البستان هو جزء من مؤامرة كبرى؟
لا أدري , بالنهاية الحكم في هذه القضية يعتمد عزيزي القارئ على نظرتك للأمور , لو كنت من أنصار نظرية المؤامرة , وتعتقد حقا بأن كل ما جرى في السابق ويجري اليوم هو أمر دبر بليل , فسترى حتما فيما يحدث في ذلك البستان مؤامرة , وستصدق بأن تلك المسرحية هي طقوس وثنية , وأن البومة ترمز إلى الشيطان أو الشر , وأن هناك طفل يحرق حيا , وأن هذا المخيم الذي يمتد لأسبوعين هو اجتماع سنوي سري من أجل إدارة شؤون العالم على يد مجموعة من الشاذين جنسيا وعبدة الشيطان الذين يحكمون العالم من وراء ستار .من ناحية أخرى , لو كنت لا تؤمن بنظرية المؤامرة , فلن ترى في ذلك الاجتماع السنوي سوى مخيم يذهب إليه أصحاب النفوذ ليتخلصوا من أعباء العمل لمدة أسبوعين ويستعيدون فيه ذكريات شبابهم وكأنهم قد عادوا لأيام الجامعة , فتراهم يلعبون ويرقصون وينتظمون في جلسات فكرية وأدبية , ويستمعون لخطب بعض أشهر رجال العالم وأكثرهم تأثيرا ونفوذا . ففعاليات ذلك المخيم الصيفي لا تقتصر على المسرحيات والطقوس , بل تضم مؤتمرات مصغرة وخطب وتبادل للآراء والأفكار , وبالنهاية فأن أكثر ما يجذب أصحاب النفوذ إلى ذلك البستان هو رغبتهم بمجالسة أناس يوازونهم من ناحية المستوى الاجتماعي والفكري .
أنا شخصيا لست من مريدي نظرية المؤامرة , وأجد صعوبة في تصديق قصص مولوخ والتضحية بالأطفال والشذوذ الجنسي الملحمي الجماعي , بالنهاية مهما كنا نختلف مع أمريكا فنحن لا نستطيع أن ننكر بأنها دولة مؤسسات وليست دولة الزعيم والقائد الأوحد الذي يفعل ما يشاء من دون أن يحاسبه أحد .. أنا أعتقد بأن اجتماع كل هؤلاء الناس المؤثرين من رؤساء جمهورية ووزراء ورؤساء أجهزة مخابرات وشيوخ كونغرس وكبار مالكي الشركات التجارية والنفطية ومدراء أكبر بنوك العالم ومنتجي هوليوود الخ .. ليس بريئا , لكن لا علاقة له بالسحر والشيطان , وإنما له علاقة بعمل اللوبيات في الولايات المتحدة وكيفية تأثيرها على الانتخابات وعقد التحالفات وجمع التبرعات والترويج لشخصيات معينة لتتصدر المشهد السياسي .