هل يستطيع الموتى إيصال أصواتهم إلينا ؟ ..
في أفلام الرعب التي تدور حول البيوت المسكونة كثيرا ما شاهدنا أحد شخصيات الفيلم وهو يحاول اكتشاف وجود الأشباح من خلال استعمال مسجلات الصوت بمختلف أشكالها وأنواعها , بحيث يقوم بترك مسجل الصوت مفتوحا في المكان المقصود لعدة ساعات أو ربما لليلة كاملة ثم يعود لاحقا ويقوم بمراجعة هذه التسجيلات من أجل التقاط أي أصوات غريبة تم تسجيلها , وهذه الأصوات قد تكون على شكل كلمات أو جمل قصيرة أو همهمة غير مفهومة توحي بأنها نوع من الكلام .
طبعا هذه العملية , أي محاولة استجلاء واستكشاف أصوات العالم الآخر , هي ليست من وحي خيال مؤلفي ومخرجي أفلام الرعب , بل هي ظاهرة معروفة منذ عشرات السنين وتعرف بأسم ظاهرة الصوت الالكتروني (Electronic voice phenomenon ) - اختصارا (evp ) , وهي ببساطة شديدة قائمة على أساس أن الموتى يستطيعون التواصل مع الأحياء عن طريق ترك أصواتهم على أجهزة التسجيل الصوتي.
لكن إذا كان الأموات بإمكانهم الحديث والثرثرة على راحتهم , فما حاجتهم لتسجيل صوتي ؟ .. لماذا لا يتكلمون مباشرة معنا ويريحوننا من كل هذا الجدل القائم حول وجود الأشباح من عدمه ؟ .
الجواب هو أن العالم الآخر تحكمه قوانين فيزيائية مختلفة تماما عن تلك التي تحكم عالمنا المادي المحسوس , وعليه فأن التواصل المباشر بحسب مفهومنا هو أمر غير ممكن . القصور في هذه المسألة سببه محدودية الحواس لدينا , فنحن البشر نستطيع سماع الأصوات ما بين ( 20 هرتز - 20 كيلوهرتز) , وهذا يعني أن الكثير من الأصوات هي خارج نطاق سمعنا , بينما بعض الحيوانات مثل الدولفين والخفاش بإمكانها سماع أصوات تصل إلى 100 كيلوهرتز . ولهذا السبب تجد الحيوانات تتنبأ بوقوع الزلازل والكوارث الطبيعية قبل حدوثها بساعات أو حتى بأيام , فهي تستطيع سماع صوت تحطم وتكسر التربة تحت الأرض وتستشعر الخطر القادم فتصاب بالذعر وتبدأ بإصدار الضجيج أو تهرب مفزوعة , فيما نحن البشر ننظر إليها بتعجب واستغراب .. كالأطرش في الزفة .
وبسبب قصور حاسة السمع لدينا فنحن بحاجة إلى أجهزة التسجيل الصوتي لكي نتمكن من سماع بعض الأصوات التي ليس بإمكاننا سماعها في الحالات العادية , فالمسجل الصوتي يتيح لنا تكبير وتضخيم الصوت حتى يصل إلى نطاق سمعنا .
وهنا قد يتساءل البعض قائلا : لكن كيف للموتى أن يتحدثون ؟ وماذا يفعلون على الأرض ؟ أليس من المفروض أنهم ذهبوا إلى السماء ؟ .
في الواقع نحن لا نعلم ماذا يحدث بعد الموت بصورة دقيقة لكي نجيب على هذا السؤال , الكتب المقدسة حدثتنا عن هذا الأمر باقتضاب , فالأديان لم تأتي لتكون بمثابة دليل سياحي لما بعد الموت , هي أتت لتركز على الحياة , أرادت منا أن نكون بشر صالحين , أن نفعل الخير , أن نكون مفيدين , وأن لا نخالف الأوامر والنواهي الربانية , وبينت لنا بوضوح أن حياتنا في العالم الآخر تتحدد في ضوء التزامنا بحياة خيرة على هذه الأرض . بمعنى كن إنسانا جيدا ومؤمنا وستكون آخرتك "عسل" , وكن إنسانا سيئا وجاحدا وستكون آخرتك "زفت" , ولا حاجة لأن نعرف المزيد. ربما هي حكمة ربانية أن لا نعلم المزيد , لأن الدنيا دار اختبار , وهذا الاختبار أو الامتحان سيكون بلا معنى لو رفعت الحجب عن أعيننا ورأينا ما يحدث بعد الموت , تصور أن تدخل امتحان فيعطونك الأجوبة قبل الأسئلة!.
إضافة لما تقدم فأن معظم الديانات , حتى تلك التي تؤمن بالتناسخ , تتفق على أن الأرواح لا تصعد إلى السماء مباشرة بعد موتها بل تكون هناك مرحلة أو محطة انتظار يطلق عليها البرزخ .
من ناحية أخرى يؤمن المسلمون على وجه الخصوص بوجود الجن , وهي كائنات أثيرية مشابهة للأشباح لكنها ليست أرواح موتى , بل هي خلق آخر يختلف تماما عن جنسنا البشري , ولها عالمها الخاص الذي قد يتداخل أحيانا مع عالمنا ولا يوجد ما يمنع في أن تكون هي السبب وراء ظاهرة الصوت الالكتروني .
تاريخ طويل
الوسطاء الروحيون حاولوا دائما الاستفادة من الاختراعات الجديدة وتسخيرها لإثبات وترويج وجهة نظرهم حول وجود الأشباح , فعندما ظهرت الكاميرا للوجود أول مرة وشاع استعمالها مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت معها الكثير من الصور الفوتوغرافية المزعومة للأشباح , ولاقت تلك الصور رواجا واسعا وحققت مبيعات كبيرة . وعندما ظهرت وسائل التسجيل والبث الصوتي بداية القرن العشرين حاول الوسطاء الروحيون الاستفادة منها أيضا , كان هناك اعتقاد قوي بأن أجهزة التسجيل الصوتي ستساهم في تسهيل عملية التواصل بين البشر والأموات , وحين سأل أحد الصحفيين المخترع الشهير توماس أديسون عن إمكانية ذلك أجابه قائلا بأنه من الممكن صناعة جهاز يكون حساسا إلى درجة يسهل معها التواصل مع الأرواح في عالم آخر إذا ما كانت هي ترغب في التواصل معنا , فوجود هكذا جهاز سيعطي على الأقل فرصة لتلك الأرواح لكي تعبر عن أنفسها بصورة أفضل من مجرد تحريك الطاولات والطرق على الجدران ولعب الويجا .
طبعا أديسون لم يكن رجلا متدينا ولم يكن موقنا أصلا بوجود عالم آخر , وعليه فهو لم يحاول يوما أن يتواصل مع الأرواح بواسطة اختراعاته , لكن آخرون فعلوا , وجرى استعمال جهاز الفونوغراف في تلك المحاولات , وهو جهاز أخترعه إديسون ويعد أول جهاز عملي لتسجيل الصوت , لكن جميع تلك المحاولات أما باءت بالفشل أو كانت نتائجها متواضعة بسبب رداءة الصوت في اسطوانات الفونوغراف ومحدودية الوقت الذي توفره للتسجيل والذي لا يتجاوز العدة دقائق في أحسن الأحوال .
لكن مع ظهور وسائل تسجيل أكثر حداثة في منتصف الخمسينات , وأعني هنا الأشرطة الصوتية الممغنطة , تم تحقيق بعض النجاحات , خصوصا من خلال التجارب التي أجراها المصور الأمريكي اتيلا فون زلاي وزميله رايموند بايلس , حيث قاما بوضع ميكرفون في غرفة مغلقة وعازلة للصوت ثم شرعا بتسجيل الصوت داخلها , وحققا نتائج مثيرة , في البداية حصلا على بعض الصفير المبهم , لكن لاحقا كانت هناك جمل وعبارات من قبيل : "هذا هو ج!" و "عيد سعيد للجميع وكل عام وأنتم بخير" .
النتائج التي حققها فون زلاي وبايلس نالت اهتماما واسعا وتم نشر دراسة عنها في مجلة جمعية الأبحاث الروحية الأمريكية عام 1959 . وقام بايلس لاحقا بتأليف كتاب حول تلك التجارب أسماه : "اتصالات تلفونية من الموتى" .
ومن الأشخاص الآخرين الذين اشتهروا في ميدان التواصل الصوتي مع العالم الآخر هو السويدي فريدرتش يوكارسون , بدأت علاقته بهذه الظاهرة عن طريق الصدفة المحضة عندما كان يقوم بتسجيل أصوات الطيور في أحد الأيام من عام 1959 , وحينما عاد لمنزله وأستمع للشريط الذي قام بتسجيله شعر بالصدمة , إذ أن الشريط لم يتضمن زقزقة العصافير فقط , بل كان هناك صوت لرجل يتحدث , وهذا الصوت لم يكن سوى صوت والده الميت , ليس هذا فحسب , فقد أستمع يوكارسون أيضا لسيدة تنادي بأسمه , وكان واثقا بأنه صوت زوجته الراحلة . هذه الحادثة دفعت يوكارسون لتسجيل المزيد من الأشرطة , وقد زعم بأن إحدى تلك التسجيلات حملت له رسالة من والدته المتوفاة .
خلال السنوات والعقود التالية , أي الستينات وما تلاها , برزت أسماء عديدة في ميدان ظاهرة الصوت الالكتروني وأقيمت المزيد من التجارب , بعضها بواسطة علماء أكاديميين , ونشرت العديد من الكتب عن الظاهرة . ولولا أن تطول هذه المقالة عن حدها لتطرقنا لذلك التاريخ الطويل بالتفصيل . لكن يمكننا القول باختصار أن ظاهرة الصوت الالكتروني أصبحت معروفة للناس بحيث لم يعد يخلو منها أي فيلم رعب أو برنامج وثائقي عن مطاردة الأشباح وأصبحت مسجلة الصوت لازمة من لوازم عمل أي وسيط روحي , تراهم يحملونها معهم عند زيارتهم للأماكن المسكونة والمقابر . وهناك اليوم العديد من مقاطع الفيديو والصوت المنشورة على النت والتي تعرض لقصص وتجارب عن ظاهرة الصوت الالكتروني .
شهرة وشعبية ظاهرة الصوت الالكتروني تعود بالدرجة الأساس إلى كونها سهلة ومتاحة للجميع , الجميع يمكنهم تجربتها , هي لا تحتاج إلى طقوس أو تحضيرات خاصة , كل ما يحتاجه المرء لتجربتها هو مسجلة صوت , يفضل طبعا أن تكون من النوع الجيد والحديث , لأن أجهزة التسجيل القديمة غالبا ما تصدر ضوضاء وأزيز خلال التسجيل . وتعد مسجلات الصوت الرقمية المحمولة هي الأكثر رواجا حاليا في تجارب ظاهرة الصوت الالكتروني , وهناك أيضا من يستعمل هاتفه الخلوي أو جهاز الكمبيوتر , بينما يفضل البعض استعمال الأشرطة الممغنطة القديمة.
على العموم , إجراء التجربة لا يتطلب سوى بضع خطوات وإرشادات يمكن تلخيصها بالتالي :
1 – يفضل استعمال جهاز تسجيل حديث (ديجتال) ويكون مجهزا بسماعات أذن للاستماع لاحقا لما تم تسجيله بهدوء وتركيز , ومن الجيد وجود ميكرفون من نوعية ممتازة ليتم التسجيل عبره . لكن إذا لم تتوفر هذه اللوازم فيمكن استعمال أي مسجلة صوت رقمية , كتلك الموجودة في الهاتف المحمول والحاسوب .
2 – إذا تم استعمال الأجهزة الرقمية التي تتيح التحكم بالصوت وتنظيمه فيجب ضبط الصوت على أعلى جودة .
3 – يجب اختيار مكان مناسب للتسجيل , لا يشترط أن يذهب المرء إلى بيوت مسكونة أو مقابر أو أماكن مهجورة - مع أنها توفر فرصة أفضل لحصول تواصل روحي - يمكن التسجيل في أي مكان باستثناء غرفة النوم , لأن التقاط أي أصوات في حجرة النوم سيحيل حياة صاحبها إلى كابوس , تصور أن تعلم بأن هناك شبحا أو جنيا يسكن في حجرة نومك .
4 – يجب اختيار أكثر الأوقات هدوءا من أجل القيام بالتسجيل , حتما الليل هو أفضل خيار , خصوصا الساعات المتأخرة منه حيث يكون الجميع قد خلدوا للنوم وعم الهدوء .
5 – يمكن لصاحب التجربة البقاء في المكان أثناء التسجيل , لكن من الأفضل لو يخرج , خصوصا لو كان المكان عبارة عن حجرة مغلقة , لأن التنفس والحركة , حتى لو كانت بسيطة مثل التململ على كرسي , يمكن أن يترك أثرا على الصوت الذي يجري تسجيله , أما في حالة البقاء فيجب التزام الهدوء قدر الإمكان .
6 – لو كان من الصعب العثور على مكان هادئ فيمكن استعمال موجات الراديو , أختر موجة راديو خالية وسجل الصوت منها , وأحرص على أن تختار الموجات التي لا تشهد صخبا إذاعيا أو يمكن البث عليها بسهولة مثل الـ FM .
7 – يمكن طرح الأسئلة خلال التسجيل من قبيل : "هل هناك روح هنا ؟ " أو : "هل يوجد جني في الغرفة الآن" . يمكن طرح عدة أسئلة لكن يجب الحرص على ترك فترة زمنية فاصلة بين سؤال والآخر .
8 – ليس هناك حاجة للتسجيل لفترات طويلة , يمكن التسجيل لمدة 10 – 20 دقيقة في كل مرة .
9 – بعد الانتهاء من التسجيل يجب الاستماع لما تم تسجيله بدقة وعناية , والأفضل أن يتم استعمال سماعات أذن من النوع الجيد , مع محاولة تكبير الصوت قدر الإمكان . يجب الانتباه لكل وشوشة أو همسة أو هنة أو أنة حتى لو كانت خافتة وغير واضحة وإعادة الاستماع للمقاطع المشكوك فيها ببطء وتركيز كبير .
10 – في حال الحصول على نتيجة , أي العثور على صوت غريب في التسجيل , فيجب حفظه وتنزيله لاحقا على جهاز حاسوب من أجل أستعمل برامج الصوتيات المتطورة وذات القدرات العالية في تحليله . ومن الجيد دعوة آخرين لكي يستمعوا للتسجيل , مثلا الأصدقاء أو الزملاء في المدرسة , وذلك من اجل الحصول على رأيهم , سيكون ذلك مفيدا من ناحية تأكيد الشكوك حول ما تم تسجيله .
11 – يجب عدم اليأس بسرعة , من غير المرجح أن يحصل المرء على نتيجة من أول تسجيل , يجب المحاولة مجددا ومجددا , وانتهاز الفرص عن طريق محاولة التسجيل في الأماكن التي يزيد فيها احتمال تواجد كائنات العالم الآخر , كالبيوت القديمة والمعالم التاريخية والمقابر والأماكن المهجورة والبقاع المعزولة والهادئة.
12 – نصيحة أخيرة هي عدم الإقدام على خوض التجربة لو كان من يقوم بها من النوع الخواف وذو قلب ضعيف .
هل يستطيع الموتى إيصال أصواتهم إلينا ؟ ..
في أفلام الرعب التي تدور حول البيوت المسكونة كثيرا ما شاهدنا أحد شخصيات الفيلم وهو يحاول اكتشاف وجود الأشباح من خلال استعمال مسجلات الصوت بمختلف أشكالها وأنواعها , بحيث يقوم بترك مسجل الصوت مفتوحا في المكان المقصود لعدة ساعات أو ربما لليلة كاملة ثم يعود لاحقا ويقوم بمراجعة هذه التسجيلات من أجل التقاط أي أصوات غريبة تم تسجيلها , وهذه الأصوات قد تكون على شكل كلمات أو جمل قصيرة أو همهمة غير مفهومة توحي بأنها نوع من الكلام .
التسجيل الصوتي من أجل اصطياد اصوات الاشباح
طبعا هذه العملية , أي محاولة استجلاء واستكشاف أصوات العالم الآخر , هي ليست من وحي خيال مؤلفي ومخرجي أفلام الرعب , بل هي ظاهرة معروفة منذ عشرات السنين وتعرف بأسم ظاهرة الصوت الالكتروني (Electronic voice phenomenon ) - اختصارا (evp ) , وهي ببساطة شديدة قائمة على أساس أن الموتى يستطيعون التواصل مع الأحياء عن طريق ترك أصواتهم على أجهزة التسجيل الصوتي.
لكن إذا كان الأموات بإمكانهم الحديث والثرثرة على راحتهم , فما حاجتهم لتسجيل صوتي ؟ .. لماذا لا يتكلمون مباشرة معنا ويريحوننا من كل هذا الجدل القائم حول وجود الأشباح من عدمه ؟ .
الجواب هو أن العالم الآخر تحكمه قوانين فيزيائية مختلفة تماما عن تلك التي تحكم عالمنا المادي المحسوس , وعليه فأن التواصل المباشر بحسب مفهومنا هو أمر غير ممكن . القصور في هذه المسألة سببه محدودية الحواس لدينا , فنحن البشر نستطيع سماع الأصوات ما بين ( 20 هرتز - 20 كيلوهرتز) , وهذا يعني أن الكثير من الأصوات هي خارج نطاق سمعنا , بينما بعض الحيوانات مثل الدولفين والخفاش بإمكانها سماع أصوات تصل إلى 100 كيلوهرتز . ولهذا السبب تجد الحيوانات تتنبأ بوقوع الزلازل والكوارث الطبيعية قبل حدوثها بساعات أو حتى بأيام , فهي تستطيع سماع صوت تحطم وتكسر التربة تحت الأرض وتستشعر الخطر القادم فتصاب بالذعر وتبدأ بإصدار الضجيج أو تهرب مفزوعة , فيما نحن البشر ننظر إليها بتعجب واستغراب .. كالأطرش في الزفة .
وبسبب قصور حاسة السمع لدينا فنحن بحاجة إلى أجهزة التسجيل الصوتي لكي نتمكن من سماع بعض الأصوات التي ليس بإمكاننا سماعها في الحالات العادية , فالمسجل الصوتي يتيح لنا تكبير وتضخيم الصوت حتى يصل إلى نطاق سمعنا .
وهنا قد يتساءل البعض قائلا : لكن كيف للموتى أن يتحدثون ؟ وماذا يفعلون على الأرض ؟ أليس من المفروض أنهم ذهبوا إلى السماء ؟ .
هل نذهب إلى السماء مباشرة بعد موتنا أم نبقى على الأرض ؟ ..
في الواقع نحن لا نعلم ماذا يحدث بعد الموت بصورة دقيقة لكي نجيب على هذا السؤال , الكتب المقدسة حدثتنا عن هذا الأمر باقتضاب , فالأديان لم تأتي لتكون بمثابة دليل سياحي لما بعد الموت , هي أتت لتركز على الحياة , أرادت منا أن نكون بشر صالحين , أن نفعل الخير , أن نكون مفيدين , وأن لا نخالف الأوامر والنواهي الربانية , وبينت لنا بوضوح أن حياتنا في العالم الآخر تتحدد في ضوء التزامنا بحياة خيرة على هذه الأرض . بمعنى كن إنسانا جيدا ومؤمنا وستكون آخرتك "عسل" , وكن إنسانا سيئا وجاحدا وستكون آخرتك "زفت" , ولا حاجة لأن نعرف المزيد. ربما هي حكمة ربانية أن لا نعلم المزيد , لأن الدنيا دار اختبار , وهذا الاختبار أو الامتحان سيكون بلا معنى لو رفعت الحجب عن أعيننا ورأينا ما يحدث بعد الموت , تصور أن تدخل امتحان فيعطونك الأجوبة قبل الأسئلة!.
إضافة لما تقدم فأن معظم الديانات , حتى تلك التي تؤمن بالتناسخ , تتفق على أن الأرواح لا تصعد إلى السماء مباشرة بعد موتها بل تكون هناك مرحلة أو محطة انتظار يطلق عليها البرزخ .
من ناحية أخرى يؤمن المسلمون على وجه الخصوص بوجود الجن , وهي كائنات أثيرية مشابهة للأشباح لكنها ليست أرواح موتى , بل هي خلق آخر يختلف تماما عن جنسنا البشري , ولها عالمها الخاص الذي قد يتداخل أحيانا مع عالمنا ولا يوجد ما يمنع في أن تكون هي السبب وراء ظاهرة الصوت الالكتروني .
تاريخ طويل
اديسون مع اختراعه الجديد .. الفونوغراف .. والذي احدث ثورة في وقته في مجال الصوتيات
الوسطاء الروحيون حاولوا دائما الاستفادة من الاختراعات الجديدة وتسخيرها لإثبات وترويج وجهة نظرهم حول وجود الأشباح , فعندما ظهرت الكاميرا للوجود أول مرة وشاع استعمالها مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت معها الكثير من الصور الفوتوغرافية المزعومة للأشباح , ولاقت تلك الصور رواجا واسعا وحققت مبيعات كبيرة . وعندما ظهرت وسائل التسجيل والبث الصوتي بداية القرن العشرين حاول الوسطاء الروحيون الاستفادة منها أيضا , كان هناك اعتقاد قوي بأن أجهزة التسجيل الصوتي ستساهم في تسهيل عملية التواصل بين البشر والأموات , وحين سأل أحد الصحفيين المخترع الشهير توماس أديسون عن إمكانية ذلك أجابه قائلا بأنه من الممكن صناعة جهاز يكون حساسا إلى درجة يسهل معها التواصل مع الأرواح في عالم آخر إذا ما كانت هي ترغب في التواصل معنا , فوجود هكذا جهاز سيعطي على الأقل فرصة لتلك الأرواح لكي تعبر عن أنفسها بصورة أفضل من مجرد تحريك الطاولات والطرق على الجدران ولعب الويجا .
طبعا أديسون لم يكن رجلا متدينا ولم يكن موقنا أصلا بوجود عالم آخر , وعليه فهو لم يحاول يوما أن يتواصل مع الأرواح بواسطة اختراعاته , لكن آخرون فعلوا , وجرى استعمال جهاز الفونوغراف في تلك المحاولات , وهو جهاز أخترعه إديسون ويعد أول جهاز عملي لتسجيل الصوت , لكن جميع تلك المحاولات أما باءت بالفشل أو كانت نتائجها متواضعة بسبب رداءة الصوت في اسطوانات الفونوغراف ومحدودية الوقت الذي توفره للتسجيل والذي لا يتجاوز العدة دقائق في أحسن الأحوال .
لكن مع ظهور وسائل تسجيل أكثر حداثة في منتصف الخمسينات , وأعني هنا الأشرطة الصوتية الممغنطة , تم تحقيق بعض النجاحات , خصوصا من خلال التجارب التي أجراها المصور الأمريكي اتيلا فون زلاي وزميله رايموند بايلس , حيث قاما بوضع ميكرفون في غرفة مغلقة وعازلة للصوت ثم شرعا بتسجيل الصوت داخلها , وحققا نتائج مثيرة , في البداية حصلا على بعض الصفير المبهم , لكن لاحقا كانت هناك جمل وعبارات من قبيل : "هذا هو ج!" و "عيد سعيد للجميع وكل عام وأنتم بخير" .
النتائج التي حققها فون زلاي وبايلس نالت اهتماما واسعا وتم نشر دراسة عنها في مجلة جمعية الأبحاث الروحية الأمريكية عام 1959 . وقام بايلس لاحقا بتأليف كتاب حول تلك التجارب أسماه : "اتصالات تلفونية من الموتى" .
فريديتش يوكارسون .. يقال أنه هو نفسه أرسل رسالة من العالم الآخر لأحد تلامذته بعد موته ! .
ومن الأشخاص الآخرين الذين اشتهروا في ميدان التواصل الصوتي مع العالم الآخر هو السويدي فريدرتش يوكارسون , بدأت علاقته بهذه الظاهرة عن طريق الصدفة المحضة عندما كان يقوم بتسجيل أصوات الطيور في أحد الأيام من عام 1959 , وحينما عاد لمنزله وأستمع للشريط الذي قام بتسجيله شعر بالصدمة , إذ أن الشريط لم يتضمن زقزقة العصافير فقط , بل كان هناك صوت لرجل يتحدث , وهذا الصوت لم يكن سوى صوت والده الميت , ليس هذا فحسب , فقد أستمع يوكارسون أيضا لسيدة تنادي بأسمه , وكان واثقا بأنه صوت زوجته الراحلة . هذه الحادثة دفعت يوكارسون لتسجيل المزيد من الأشرطة , وقد زعم بأن إحدى تلك التسجيلات حملت له رسالة من والدته المتوفاة .
خلال السنوات والعقود التالية , أي الستينات وما تلاها , برزت أسماء عديدة في ميدان ظاهرة الصوت الالكتروني وأقيمت المزيد من التجارب , بعضها بواسطة علماء أكاديميين , ونشرت العديد من الكتب عن الظاهرة . ولولا أن تطول هذه المقالة عن حدها لتطرقنا لذلك التاريخ الطويل بالتفصيل . لكن يمكننا القول باختصار أن ظاهرة الصوت الالكتروني أصبحت معروفة للناس بحيث لم يعد يخلو منها أي فيلم رعب أو برنامج وثائقي عن مطاردة الأشباح وأصبحت مسجلة الصوت لازمة من لوازم عمل أي وسيط روحي , تراهم يحملونها معهم عند زيارتهم للأماكن المسكونة والمقابر . وهناك اليوم العديد من مقاطع الفيديو والصوت المنشورة على النت والتي تعرض لقصص وتجارب عن ظاهرة الصوت الالكتروني .
شهرة وشعبية ظاهرة الصوت الالكتروني تعود بالدرجة الأساس إلى كونها سهلة ومتاحة للجميع , الجميع يمكنهم تجربتها , هي لا تحتاج إلى طقوس أو تحضيرات خاصة , كل ما يحتاجه المرء لتجربتها هو مسجلة صوت , يفضل طبعا أن تكون من النوع الجيد والحديث , لأن أجهزة التسجيل القديمة غالبا ما تصدر ضوضاء وأزيز خلال التسجيل . وتعد مسجلات الصوت الرقمية المحمولة هي الأكثر رواجا حاليا في تجارب ظاهرة الصوت الالكتروني , وهناك أيضا من يستعمل هاتفه الخلوي أو جهاز الكمبيوتر , بينما يفضل البعض استعمال الأشرطة الممغنطة القديمة.
على العموم , إجراء التجربة لا يتطلب سوى بضع خطوات وإرشادات يمكن تلخيصها بالتالي :
يفضل استخدام اجهزة التسجيل الصوتي الرقمية .
1 – يفضل استعمال جهاز تسجيل حديث (ديجتال) ويكون مجهزا بسماعات أذن للاستماع لاحقا لما تم تسجيله بهدوء وتركيز , ومن الجيد وجود ميكرفون من نوعية ممتازة ليتم التسجيل عبره . لكن إذا لم تتوفر هذه اللوازم فيمكن استعمال أي مسجلة صوت رقمية , كتلك الموجودة في الهاتف المحمول والحاسوب .
2 – إذا تم استعمال الأجهزة الرقمية التي تتيح التحكم بالصوت وتنظيمه فيجب ضبط الصوت على أعلى جودة .
3 – يجب اختيار مكان مناسب للتسجيل , لا يشترط أن يذهب المرء إلى بيوت مسكونة أو مقابر أو أماكن مهجورة - مع أنها توفر فرصة أفضل لحصول تواصل روحي - يمكن التسجيل في أي مكان باستثناء غرفة النوم , لأن التقاط أي أصوات في حجرة النوم سيحيل حياة صاحبها إلى كابوس , تصور أن تعلم بأن هناك شبحا أو جنيا يسكن في حجرة نومك .
4 – يجب اختيار أكثر الأوقات هدوءا من أجل القيام بالتسجيل , حتما الليل هو أفضل خيار , خصوصا الساعات المتأخرة منه حيث يكون الجميع قد خلدوا للنوم وعم الهدوء .
5 – يمكن لصاحب التجربة البقاء في المكان أثناء التسجيل , لكن من الأفضل لو يخرج , خصوصا لو كان المكان عبارة عن حجرة مغلقة , لأن التنفس والحركة , حتى لو كانت بسيطة مثل التململ على كرسي , يمكن أن يترك أثرا على الصوت الذي يجري تسجيله , أما في حالة البقاء فيجب التزام الهدوء قدر الإمكان .
6 – لو كان من الصعب العثور على مكان هادئ فيمكن استعمال موجات الراديو , أختر موجة راديو خالية وسجل الصوت منها , وأحرص على أن تختار الموجات التي لا تشهد صخبا إذاعيا أو يمكن البث عليها بسهولة مثل الـ FM .
7 – يمكن طرح الأسئلة خلال التسجيل من قبيل : "هل هناك روح هنا ؟ " أو : "هل يوجد جني في الغرفة الآن" . يمكن طرح عدة أسئلة لكن يجب الحرص على ترك فترة زمنية فاصلة بين سؤال والآخر .
8 – ليس هناك حاجة للتسجيل لفترات طويلة , يمكن التسجيل لمدة 10 – 20 دقيقة في كل مرة .
9 – بعد الانتهاء من التسجيل يجب الاستماع لما تم تسجيله بدقة وعناية , والأفضل أن يتم استعمال سماعات أذن من النوع الجيد , مع محاولة تكبير الصوت قدر الإمكان . يجب الانتباه لكل وشوشة أو همسة أو هنة أو أنة حتى لو كانت خافتة وغير واضحة وإعادة الاستماع للمقاطع المشكوك فيها ببطء وتركيز كبير .
10 – في حال الحصول على نتيجة , أي العثور على صوت غريب في التسجيل , فيجب حفظه وتنزيله لاحقا على جهاز حاسوب من أجل أستعمل برامج الصوتيات المتطورة وذات القدرات العالية في تحليله . ومن الجيد دعوة آخرين لكي يستمعوا للتسجيل , مثلا الأصدقاء أو الزملاء في المدرسة , وذلك من اجل الحصول على رأيهم , سيكون ذلك مفيدا من ناحية تأكيد الشكوك حول ما تم تسجيله .
11 – يجب عدم اليأس بسرعة , من غير المرجح أن يحصل المرء على نتيجة من أول تسجيل , يجب المحاولة مجددا ومجددا , وانتهاز الفرص عن طريق محاولة التسجيل في الأماكن التي يزيد فيها احتمال تواجد كائنات العالم الآخر , كالبيوت القديمة والمعالم التاريخية والمقابر والأماكن المهجورة والبقاع المعزولة والهادئة.
12 – نصيحة أخيرة هي عدم الإقدام على خوض التجربة لو كان من يقوم بها من النوع الخواف وذو قلب ضعيف .
تفسيرات محتملة
مثلها مثل أي ظاهرة روحية أخرى تعرضت ظاهرة الصوت الالكتروني للتشكيك والانتقاد , أول هذه الانتقادات هي أن الظاهرة لا يمكن التأكد منها في ظروف معملية مسيطر عليها من قبل العلماء وأن أغلب التسجيلات الموجودة على النت ليست محل ثقة وربما تكون مزيفة فما أسهل أن يقوم شخص ما بعمل تسجيل صوتي ثم يضيف له بضعة كلمات بواسطة برامج الصوتيات أو حتى يهمس مباشرة في الميكروفون ثم يقوم برفع هذا التسجيل على النت زاعما بأنه ألتقط صوت شبح . أضف إلى ذلك فأن العلماء يقولون بأنه لا يوجد شيء أسمه صمت أو سكون مطلق وأنه دائما ما تكون هناك موجات أو ذبذبات طليقة في الجو يتعذر على الأذن البشرية سماعها , تذكر عزيزي القارئ بأن هناك آلاف الوسائط التي تبث مثل هذه الذبذبات .. إذاعات وفضائيات وأجهزة لاسلكي وظواهر طبيعية الخ – حتى المذنبات والشهب تصدر ذبذبات عند دخولها واحتراقها في الغلاف الجوي الأرض - وهذه الذبذبات هي التي تلتقطها مسجلات الصوت فيظن أصحابها بأنهم حصلوا على تواصل مع كائنات العالم الآخر.
أما التفسير الأقوى في جعبة المنتقدين فهو قائم على ظاهرة نفسية تدعى الباريدوليا حيث يقوم العقل بتفسير أنماط عشوائية على أنها أنماط مألوفة . بمعنى أبسط أن العقل يأخذ أمور وأشياء بدون أي معنى فيسبغ عليها معنى , كأن ترى بقعة على جدار غرفتك (رطوبة) فتخال بأنها وجه رجل , وبمرور الوقت وبسبب طول التحديق تصبح على يقين بأنها وجه رجل وليست مجرد بقعة عديمة المعنى – أنا حدث معي ذلك - . هذا الأمر ينطبق على الصوتيات أيضا , حيث يقوم العقل أحيانا بإعطاء معنى لأصوات غير مفهومة , كأن تسمع ضجيجا أو وشوشة غير مفهومة على شريط صوتي فتظن بأنها همهمة أشخاص يتحدثون أو أنها كلمات ذات معنى .
أخيرا ما رأيك أنت عزيزي القارئ .. هل حقا يمكن أن يكون هناك تواصل صوتي بين عالمنا وكائنات العالم الآخر ؟ أم انت مقتنع بتفسيرات العلماء ؟ .
في أفلام الرعب التي تدور حول البيوت المسكونة كثيرا ما شاهدنا أحد شخصيات الفيلم وهو يحاول اكتشاف وجود الأشباح من خلال استعمال مسجلات الصوت بمختلف أشكالها وأنواعها , بحيث يقوم بترك مسجل الصوت مفتوحا في المكان المقصود لعدة ساعات أو ربما لليلة كاملة ثم يعود لاحقا ويقوم بمراجعة هذه التسجيلات من أجل التقاط أي أصوات غريبة تم تسجيلها , وهذه الأصوات قد تكون على شكل كلمات أو جمل قصيرة أو همهمة غير مفهومة توحي بأنها نوع من الكلام .
طبعا هذه العملية , أي محاولة استجلاء واستكشاف أصوات العالم الآخر , هي ليست من وحي خيال مؤلفي ومخرجي أفلام الرعب , بل هي ظاهرة معروفة منذ عشرات السنين وتعرف بأسم ظاهرة الصوت الالكتروني (Electronic voice phenomenon ) - اختصارا (evp ) , وهي ببساطة شديدة قائمة على أساس أن الموتى يستطيعون التواصل مع الأحياء عن طريق ترك أصواتهم على أجهزة التسجيل الصوتي.
لكن إذا كان الأموات بإمكانهم الحديث والثرثرة على راحتهم , فما حاجتهم لتسجيل صوتي ؟ .. لماذا لا يتكلمون مباشرة معنا ويريحوننا من كل هذا الجدل القائم حول وجود الأشباح من عدمه ؟ .
الجواب هو أن العالم الآخر تحكمه قوانين فيزيائية مختلفة تماما عن تلك التي تحكم عالمنا المادي المحسوس , وعليه فأن التواصل المباشر بحسب مفهومنا هو أمر غير ممكن . القصور في هذه المسألة سببه محدودية الحواس لدينا , فنحن البشر نستطيع سماع الأصوات ما بين ( 20 هرتز - 20 كيلوهرتز) , وهذا يعني أن الكثير من الأصوات هي خارج نطاق سمعنا , بينما بعض الحيوانات مثل الدولفين والخفاش بإمكانها سماع أصوات تصل إلى 100 كيلوهرتز . ولهذا السبب تجد الحيوانات تتنبأ بوقوع الزلازل والكوارث الطبيعية قبل حدوثها بساعات أو حتى بأيام , فهي تستطيع سماع صوت تحطم وتكسر التربة تحت الأرض وتستشعر الخطر القادم فتصاب بالذعر وتبدأ بإصدار الضجيج أو تهرب مفزوعة , فيما نحن البشر ننظر إليها بتعجب واستغراب .. كالأطرش في الزفة .
وبسبب قصور حاسة السمع لدينا فنحن بحاجة إلى أجهزة التسجيل الصوتي لكي نتمكن من سماع بعض الأصوات التي ليس بإمكاننا سماعها في الحالات العادية , فالمسجل الصوتي يتيح لنا تكبير وتضخيم الصوت حتى يصل إلى نطاق سمعنا .
وهنا قد يتساءل البعض قائلا : لكن كيف للموتى أن يتحدثون ؟ وماذا يفعلون على الأرض ؟ أليس من المفروض أنهم ذهبوا إلى السماء ؟ .
في الواقع نحن لا نعلم ماذا يحدث بعد الموت بصورة دقيقة لكي نجيب على هذا السؤال , الكتب المقدسة حدثتنا عن هذا الأمر باقتضاب , فالأديان لم تأتي لتكون بمثابة دليل سياحي لما بعد الموت , هي أتت لتركز على الحياة , أرادت منا أن نكون بشر صالحين , أن نفعل الخير , أن نكون مفيدين , وأن لا نخالف الأوامر والنواهي الربانية , وبينت لنا بوضوح أن حياتنا في العالم الآخر تتحدد في ضوء التزامنا بحياة خيرة على هذه الأرض . بمعنى كن إنسانا جيدا ومؤمنا وستكون آخرتك "عسل" , وكن إنسانا سيئا وجاحدا وستكون آخرتك "زفت" , ولا حاجة لأن نعرف المزيد. ربما هي حكمة ربانية أن لا نعلم المزيد , لأن الدنيا دار اختبار , وهذا الاختبار أو الامتحان سيكون بلا معنى لو رفعت الحجب عن أعيننا ورأينا ما يحدث بعد الموت , تصور أن تدخل امتحان فيعطونك الأجوبة قبل الأسئلة!.
إضافة لما تقدم فأن معظم الديانات , حتى تلك التي تؤمن بالتناسخ , تتفق على أن الأرواح لا تصعد إلى السماء مباشرة بعد موتها بل تكون هناك مرحلة أو محطة انتظار يطلق عليها البرزخ .
من ناحية أخرى يؤمن المسلمون على وجه الخصوص بوجود الجن , وهي كائنات أثيرية مشابهة للأشباح لكنها ليست أرواح موتى , بل هي خلق آخر يختلف تماما عن جنسنا البشري , ولها عالمها الخاص الذي قد يتداخل أحيانا مع عالمنا ولا يوجد ما يمنع في أن تكون هي السبب وراء ظاهرة الصوت الالكتروني .
تاريخ طويل
الوسطاء الروحيون حاولوا دائما الاستفادة من الاختراعات الجديدة وتسخيرها لإثبات وترويج وجهة نظرهم حول وجود الأشباح , فعندما ظهرت الكاميرا للوجود أول مرة وشاع استعمالها مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت معها الكثير من الصور الفوتوغرافية المزعومة للأشباح , ولاقت تلك الصور رواجا واسعا وحققت مبيعات كبيرة . وعندما ظهرت وسائل التسجيل والبث الصوتي بداية القرن العشرين حاول الوسطاء الروحيون الاستفادة منها أيضا , كان هناك اعتقاد قوي بأن أجهزة التسجيل الصوتي ستساهم في تسهيل عملية التواصل بين البشر والأموات , وحين سأل أحد الصحفيين المخترع الشهير توماس أديسون عن إمكانية ذلك أجابه قائلا بأنه من الممكن صناعة جهاز يكون حساسا إلى درجة يسهل معها التواصل مع الأرواح في عالم آخر إذا ما كانت هي ترغب في التواصل معنا , فوجود هكذا جهاز سيعطي على الأقل فرصة لتلك الأرواح لكي تعبر عن أنفسها بصورة أفضل من مجرد تحريك الطاولات والطرق على الجدران ولعب الويجا .
طبعا أديسون لم يكن رجلا متدينا ولم يكن موقنا أصلا بوجود عالم آخر , وعليه فهو لم يحاول يوما أن يتواصل مع الأرواح بواسطة اختراعاته , لكن آخرون فعلوا , وجرى استعمال جهاز الفونوغراف في تلك المحاولات , وهو جهاز أخترعه إديسون ويعد أول جهاز عملي لتسجيل الصوت , لكن جميع تلك المحاولات أما باءت بالفشل أو كانت نتائجها متواضعة بسبب رداءة الصوت في اسطوانات الفونوغراف ومحدودية الوقت الذي توفره للتسجيل والذي لا يتجاوز العدة دقائق في أحسن الأحوال .
لكن مع ظهور وسائل تسجيل أكثر حداثة في منتصف الخمسينات , وأعني هنا الأشرطة الصوتية الممغنطة , تم تحقيق بعض النجاحات , خصوصا من خلال التجارب التي أجراها المصور الأمريكي اتيلا فون زلاي وزميله رايموند بايلس , حيث قاما بوضع ميكرفون في غرفة مغلقة وعازلة للصوت ثم شرعا بتسجيل الصوت داخلها , وحققا نتائج مثيرة , في البداية حصلا على بعض الصفير المبهم , لكن لاحقا كانت هناك جمل وعبارات من قبيل : "هذا هو ج!" و "عيد سعيد للجميع وكل عام وأنتم بخير" .
النتائج التي حققها فون زلاي وبايلس نالت اهتماما واسعا وتم نشر دراسة عنها في مجلة جمعية الأبحاث الروحية الأمريكية عام 1959 . وقام بايلس لاحقا بتأليف كتاب حول تلك التجارب أسماه : "اتصالات تلفونية من الموتى" .
ومن الأشخاص الآخرين الذين اشتهروا في ميدان التواصل الصوتي مع العالم الآخر هو السويدي فريدرتش يوكارسون , بدأت علاقته بهذه الظاهرة عن طريق الصدفة المحضة عندما كان يقوم بتسجيل أصوات الطيور في أحد الأيام من عام 1959 , وحينما عاد لمنزله وأستمع للشريط الذي قام بتسجيله شعر بالصدمة , إذ أن الشريط لم يتضمن زقزقة العصافير فقط , بل كان هناك صوت لرجل يتحدث , وهذا الصوت لم يكن سوى صوت والده الميت , ليس هذا فحسب , فقد أستمع يوكارسون أيضا لسيدة تنادي بأسمه , وكان واثقا بأنه صوت زوجته الراحلة . هذه الحادثة دفعت يوكارسون لتسجيل المزيد من الأشرطة , وقد زعم بأن إحدى تلك التسجيلات حملت له رسالة من والدته المتوفاة .
خلال السنوات والعقود التالية , أي الستينات وما تلاها , برزت أسماء عديدة في ميدان ظاهرة الصوت الالكتروني وأقيمت المزيد من التجارب , بعضها بواسطة علماء أكاديميين , ونشرت العديد من الكتب عن الظاهرة . ولولا أن تطول هذه المقالة عن حدها لتطرقنا لذلك التاريخ الطويل بالتفصيل . لكن يمكننا القول باختصار أن ظاهرة الصوت الالكتروني أصبحت معروفة للناس بحيث لم يعد يخلو منها أي فيلم رعب أو برنامج وثائقي عن مطاردة الأشباح وأصبحت مسجلة الصوت لازمة من لوازم عمل أي وسيط روحي , تراهم يحملونها معهم عند زيارتهم للأماكن المسكونة والمقابر . وهناك اليوم العديد من مقاطع الفيديو والصوت المنشورة على النت والتي تعرض لقصص وتجارب عن ظاهرة الصوت الالكتروني .
شهرة وشعبية ظاهرة الصوت الالكتروني تعود بالدرجة الأساس إلى كونها سهلة ومتاحة للجميع , الجميع يمكنهم تجربتها , هي لا تحتاج إلى طقوس أو تحضيرات خاصة , كل ما يحتاجه المرء لتجربتها هو مسجلة صوت , يفضل طبعا أن تكون من النوع الجيد والحديث , لأن أجهزة التسجيل القديمة غالبا ما تصدر ضوضاء وأزيز خلال التسجيل . وتعد مسجلات الصوت الرقمية المحمولة هي الأكثر رواجا حاليا في تجارب ظاهرة الصوت الالكتروني , وهناك أيضا من يستعمل هاتفه الخلوي أو جهاز الكمبيوتر , بينما يفضل البعض استعمال الأشرطة الممغنطة القديمة.
على العموم , إجراء التجربة لا يتطلب سوى بضع خطوات وإرشادات يمكن تلخيصها بالتالي :
1 – يفضل استعمال جهاز تسجيل حديث (ديجتال) ويكون مجهزا بسماعات أذن للاستماع لاحقا لما تم تسجيله بهدوء وتركيز , ومن الجيد وجود ميكرفون من نوعية ممتازة ليتم التسجيل عبره . لكن إذا لم تتوفر هذه اللوازم فيمكن استعمال أي مسجلة صوت رقمية , كتلك الموجودة في الهاتف المحمول والحاسوب .
2 – إذا تم استعمال الأجهزة الرقمية التي تتيح التحكم بالصوت وتنظيمه فيجب ضبط الصوت على أعلى جودة .
3 – يجب اختيار مكان مناسب للتسجيل , لا يشترط أن يذهب المرء إلى بيوت مسكونة أو مقابر أو أماكن مهجورة - مع أنها توفر فرصة أفضل لحصول تواصل روحي - يمكن التسجيل في أي مكان باستثناء غرفة النوم , لأن التقاط أي أصوات في حجرة النوم سيحيل حياة صاحبها إلى كابوس , تصور أن تعلم بأن هناك شبحا أو جنيا يسكن في حجرة نومك .
4 – يجب اختيار أكثر الأوقات هدوءا من أجل القيام بالتسجيل , حتما الليل هو أفضل خيار , خصوصا الساعات المتأخرة منه حيث يكون الجميع قد خلدوا للنوم وعم الهدوء .
5 – يمكن لصاحب التجربة البقاء في المكان أثناء التسجيل , لكن من الأفضل لو يخرج , خصوصا لو كان المكان عبارة عن حجرة مغلقة , لأن التنفس والحركة , حتى لو كانت بسيطة مثل التململ على كرسي , يمكن أن يترك أثرا على الصوت الذي يجري تسجيله , أما في حالة البقاء فيجب التزام الهدوء قدر الإمكان .
6 – لو كان من الصعب العثور على مكان هادئ فيمكن استعمال موجات الراديو , أختر موجة راديو خالية وسجل الصوت منها , وأحرص على أن تختار الموجات التي لا تشهد صخبا إذاعيا أو يمكن البث عليها بسهولة مثل الـ FM .
7 – يمكن طرح الأسئلة خلال التسجيل من قبيل : "هل هناك روح هنا ؟ " أو : "هل يوجد جني في الغرفة الآن" . يمكن طرح عدة أسئلة لكن يجب الحرص على ترك فترة زمنية فاصلة بين سؤال والآخر .
8 – ليس هناك حاجة للتسجيل لفترات طويلة , يمكن التسجيل لمدة 10 – 20 دقيقة في كل مرة .
9 – بعد الانتهاء من التسجيل يجب الاستماع لما تم تسجيله بدقة وعناية , والأفضل أن يتم استعمال سماعات أذن من النوع الجيد , مع محاولة تكبير الصوت قدر الإمكان . يجب الانتباه لكل وشوشة أو همسة أو هنة أو أنة حتى لو كانت خافتة وغير واضحة وإعادة الاستماع للمقاطع المشكوك فيها ببطء وتركيز كبير .
10 – في حال الحصول على نتيجة , أي العثور على صوت غريب في التسجيل , فيجب حفظه وتنزيله لاحقا على جهاز حاسوب من أجل أستعمل برامج الصوتيات المتطورة وذات القدرات العالية في تحليله . ومن الجيد دعوة آخرين لكي يستمعوا للتسجيل , مثلا الأصدقاء أو الزملاء في المدرسة , وذلك من اجل الحصول على رأيهم , سيكون ذلك مفيدا من ناحية تأكيد الشكوك حول ما تم تسجيله .
11 – يجب عدم اليأس بسرعة , من غير المرجح أن يحصل المرء على نتيجة من أول تسجيل , يجب المحاولة مجددا ومجددا , وانتهاز الفرص عن طريق محاولة التسجيل في الأماكن التي يزيد فيها احتمال تواجد كائنات العالم الآخر , كالبيوت القديمة والمعالم التاريخية والمقابر والأماكن المهجورة والبقاع المعزولة والهادئة.
12 – نصيحة أخيرة هي عدم الإقدام على خوض التجربة لو كان من يقوم بها من النوع الخواف وذو قلب ضعيف .
هل يستطيع الموتى إيصال أصواتهم إلينا ؟ ..
في أفلام الرعب التي تدور حول البيوت المسكونة كثيرا ما شاهدنا أحد شخصيات الفيلم وهو يحاول اكتشاف وجود الأشباح من خلال استعمال مسجلات الصوت بمختلف أشكالها وأنواعها , بحيث يقوم بترك مسجل الصوت مفتوحا في المكان المقصود لعدة ساعات أو ربما لليلة كاملة ثم يعود لاحقا ويقوم بمراجعة هذه التسجيلات من أجل التقاط أي أصوات غريبة تم تسجيلها , وهذه الأصوات قد تكون على شكل كلمات أو جمل قصيرة أو همهمة غير مفهومة توحي بأنها نوع من الكلام .
التسجيل الصوتي من أجل اصطياد اصوات الاشباح
طبعا هذه العملية , أي محاولة استجلاء واستكشاف أصوات العالم الآخر , هي ليست من وحي خيال مؤلفي ومخرجي أفلام الرعب , بل هي ظاهرة معروفة منذ عشرات السنين وتعرف بأسم ظاهرة الصوت الالكتروني (Electronic voice phenomenon ) - اختصارا (evp ) , وهي ببساطة شديدة قائمة على أساس أن الموتى يستطيعون التواصل مع الأحياء عن طريق ترك أصواتهم على أجهزة التسجيل الصوتي.
لكن إذا كان الأموات بإمكانهم الحديث والثرثرة على راحتهم , فما حاجتهم لتسجيل صوتي ؟ .. لماذا لا يتكلمون مباشرة معنا ويريحوننا من كل هذا الجدل القائم حول وجود الأشباح من عدمه ؟ .
الجواب هو أن العالم الآخر تحكمه قوانين فيزيائية مختلفة تماما عن تلك التي تحكم عالمنا المادي المحسوس , وعليه فأن التواصل المباشر بحسب مفهومنا هو أمر غير ممكن . القصور في هذه المسألة سببه محدودية الحواس لدينا , فنحن البشر نستطيع سماع الأصوات ما بين ( 20 هرتز - 20 كيلوهرتز) , وهذا يعني أن الكثير من الأصوات هي خارج نطاق سمعنا , بينما بعض الحيوانات مثل الدولفين والخفاش بإمكانها سماع أصوات تصل إلى 100 كيلوهرتز . ولهذا السبب تجد الحيوانات تتنبأ بوقوع الزلازل والكوارث الطبيعية قبل حدوثها بساعات أو حتى بأيام , فهي تستطيع سماع صوت تحطم وتكسر التربة تحت الأرض وتستشعر الخطر القادم فتصاب بالذعر وتبدأ بإصدار الضجيج أو تهرب مفزوعة , فيما نحن البشر ننظر إليها بتعجب واستغراب .. كالأطرش في الزفة .
وبسبب قصور حاسة السمع لدينا فنحن بحاجة إلى أجهزة التسجيل الصوتي لكي نتمكن من سماع بعض الأصوات التي ليس بإمكاننا سماعها في الحالات العادية , فالمسجل الصوتي يتيح لنا تكبير وتضخيم الصوت حتى يصل إلى نطاق سمعنا .
وهنا قد يتساءل البعض قائلا : لكن كيف للموتى أن يتحدثون ؟ وماذا يفعلون على الأرض ؟ أليس من المفروض أنهم ذهبوا إلى السماء ؟ .
هل نذهب إلى السماء مباشرة بعد موتنا أم نبقى على الأرض ؟ ..
في الواقع نحن لا نعلم ماذا يحدث بعد الموت بصورة دقيقة لكي نجيب على هذا السؤال , الكتب المقدسة حدثتنا عن هذا الأمر باقتضاب , فالأديان لم تأتي لتكون بمثابة دليل سياحي لما بعد الموت , هي أتت لتركز على الحياة , أرادت منا أن نكون بشر صالحين , أن نفعل الخير , أن نكون مفيدين , وأن لا نخالف الأوامر والنواهي الربانية , وبينت لنا بوضوح أن حياتنا في العالم الآخر تتحدد في ضوء التزامنا بحياة خيرة على هذه الأرض . بمعنى كن إنسانا جيدا ومؤمنا وستكون آخرتك "عسل" , وكن إنسانا سيئا وجاحدا وستكون آخرتك "زفت" , ولا حاجة لأن نعرف المزيد. ربما هي حكمة ربانية أن لا نعلم المزيد , لأن الدنيا دار اختبار , وهذا الاختبار أو الامتحان سيكون بلا معنى لو رفعت الحجب عن أعيننا ورأينا ما يحدث بعد الموت , تصور أن تدخل امتحان فيعطونك الأجوبة قبل الأسئلة!.
إضافة لما تقدم فأن معظم الديانات , حتى تلك التي تؤمن بالتناسخ , تتفق على أن الأرواح لا تصعد إلى السماء مباشرة بعد موتها بل تكون هناك مرحلة أو محطة انتظار يطلق عليها البرزخ .
من ناحية أخرى يؤمن المسلمون على وجه الخصوص بوجود الجن , وهي كائنات أثيرية مشابهة للأشباح لكنها ليست أرواح موتى , بل هي خلق آخر يختلف تماما عن جنسنا البشري , ولها عالمها الخاص الذي قد يتداخل أحيانا مع عالمنا ولا يوجد ما يمنع في أن تكون هي السبب وراء ظاهرة الصوت الالكتروني .
تاريخ طويل
اديسون مع اختراعه الجديد .. الفونوغراف .. والذي احدث ثورة في وقته في مجال الصوتيات
الوسطاء الروحيون حاولوا دائما الاستفادة من الاختراعات الجديدة وتسخيرها لإثبات وترويج وجهة نظرهم حول وجود الأشباح , فعندما ظهرت الكاميرا للوجود أول مرة وشاع استعمالها مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت معها الكثير من الصور الفوتوغرافية المزعومة للأشباح , ولاقت تلك الصور رواجا واسعا وحققت مبيعات كبيرة . وعندما ظهرت وسائل التسجيل والبث الصوتي بداية القرن العشرين حاول الوسطاء الروحيون الاستفادة منها أيضا , كان هناك اعتقاد قوي بأن أجهزة التسجيل الصوتي ستساهم في تسهيل عملية التواصل بين البشر والأموات , وحين سأل أحد الصحفيين المخترع الشهير توماس أديسون عن إمكانية ذلك أجابه قائلا بأنه من الممكن صناعة جهاز يكون حساسا إلى درجة يسهل معها التواصل مع الأرواح في عالم آخر إذا ما كانت هي ترغب في التواصل معنا , فوجود هكذا جهاز سيعطي على الأقل فرصة لتلك الأرواح لكي تعبر عن أنفسها بصورة أفضل من مجرد تحريك الطاولات والطرق على الجدران ولعب الويجا .
طبعا أديسون لم يكن رجلا متدينا ولم يكن موقنا أصلا بوجود عالم آخر , وعليه فهو لم يحاول يوما أن يتواصل مع الأرواح بواسطة اختراعاته , لكن آخرون فعلوا , وجرى استعمال جهاز الفونوغراف في تلك المحاولات , وهو جهاز أخترعه إديسون ويعد أول جهاز عملي لتسجيل الصوت , لكن جميع تلك المحاولات أما باءت بالفشل أو كانت نتائجها متواضعة بسبب رداءة الصوت في اسطوانات الفونوغراف ومحدودية الوقت الذي توفره للتسجيل والذي لا يتجاوز العدة دقائق في أحسن الأحوال .
لكن مع ظهور وسائل تسجيل أكثر حداثة في منتصف الخمسينات , وأعني هنا الأشرطة الصوتية الممغنطة , تم تحقيق بعض النجاحات , خصوصا من خلال التجارب التي أجراها المصور الأمريكي اتيلا فون زلاي وزميله رايموند بايلس , حيث قاما بوضع ميكرفون في غرفة مغلقة وعازلة للصوت ثم شرعا بتسجيل الصوت داخلها , وحققا نتائج مثيرة , في البداية حصلا على بعض الصفير المبهم , لكن لاحقا كانت هناك جمل وعبارات من قبيل : "هذا هو ج!" و "عيد سعيد للجميع وكل عام وأنتم بخير" .
النتائج التي حققها فون زلاي وبايلس نالت اهتماما واسعا وتم نشر دراسة عنها في مجلة جمعية الأبحاث الروحية الأمريكية عام 1959 . وقام بايلس لاحقا بتأليف كتاب حول تلك التجارب أسماه : "اتصالات تلفونية من الموتى" .
فريديتش يوكارسون .. يقال أنه هو نفسه أرسل رسالة من العالم الآخر لأحد تلامذته بعد موته ! .
ومن الأشخاص الآخرين الذين اشتهروا في ميدان التواصل الصوتي مع العالم الآخر هو السويدي فريدرتش يوكارسون , بدأت علاقته بهذه الظاهرة عن طريق الصدفة المحضة عندما كان يقوم بتسجيل أصوات الطيور في أحد الأيام من عام 1959 , وحينما عاد لمنزله وأستمع للشريط الذي قام بتسجيله شعر بالصدمة , إذ أن الشريط لم يتضمن زقزقة العصافير فقط , بل كان هناك صوت لرجل يتحدث , وهذا الصوت لم يكن سوى صوت والده الميت , ليس هذا فحسب , فقد أستمع يوكارسون أيضا لسيدة تنادي بأسمه , وكان واثقا بأنه صوت زوجته الراحلة . هذه الحادثة دفعت يوكارسون لتسجيل المزيد من الأشرطة , وقد زعم بأن إحدى تلك التسجيلات حملت له رسالة من والدته المتوفاة .
خلال السنوات والعقود التالية , أي الستينات وما تلاها , برزت أسماء عديدة في ميدان ظاهرة الصوت الالكتروني وأقيمت المزيد من التجارب , بعضها بواسطة علماء أكاديميين , ونشرت العديد من الكتب عن الظاهرة . ولولا أن تطول هذه المقالة عن حدها لتطرقنا لذلك التاريخ الطويل بالتفصيل . لكن يمكننا القول باختصار أن ظاهرة الصوت الالكتروني أصبحت معروفة للناس بحيث لم يعد يخلو منها أي فيلم رعب أو برنامج وثائقي عن مطاردة الأشباح وأصبحت مسجلة الصوت لازمة من لوازم عمل أي وسيط روحي , تراهم يحملونها معهم عند زيارتهم للأماكن المسكونة والمقابر . وهناك اليوم العديد من مقاطع الفيديو والصوت المنشورة على النت والتي تعرض لقصص وتجارب عن ظاهرة الصوت الالكتروني .
شهرة وشعبية ظاهرة الصوت الالكتروني تعود بالدرجة الأساس إلى كونها سهلة ومتاحة للجميع , الجميع يمكنهم تجربتها , هي لا تحتاج إلى طقوس أو تحضيرات خاصة , كل ما يحتاجه المرء لتجربتها هو مسجلة صوت , يفضل طبعا أن تكون من النوع الجيد والحديث , لأن أجهزة التسجيل القديمة غالبا ما تصدر ضوضاء وأزيز خلال التسجيل . وتعد مسجلات الصوت الرقمية المحمولة هي الأكثر رواجا حاليا في تجارب ظاهرة الصوت الالكتروني , وهناك أيضا من يستعمل هاتفه الخلوي أو جهاز الكمبيوتر , بينما يفضل البعض استعمال الأشرطة الممغنطة القديمة.
على العموم , إجراء التجربة لا يتطلب سوى بضع خطوات وإرشادات يمكن تلخيصها بالتالي :
يفضل استخدام اجهزة التسجيل الصوتي الرقمية .
1 – يفضل استعمال جهاز تسجيل حديث (ديجتال) ويكون مجهزا بسماعات أذن للاستماع لاحقا لما تم تسجيله بهدوء وتركيز , ومن الجيد وجود ميكرفون من نوعية ممتازة ليتم التسجيل عبره . لكن إذا لم تتوفر هذه اللوازم فيمكن استعمال أي مسجلة صوت رقمية , كتلك الموجودة في الهاتف المحمول والحاسوب .
2 – إذا تم استعمال الأجهزة الرقمية التي تتيح التحكم بالصوت وتنظيمه فيجب ضبط الصوت على أعلى جودة .
3 – يجب اختيار مكان مناسب للتسجيل , لا يشترط أن يذهب المرء إلى بيوت مسكونة أو مقابر أو أماكن مهجورة - مع أنها توفر فرصة أفضل لحصول تواصل روحي - يمكن التسجيل في أي مكان باستثناء غرفة النوم , لأن التقاط أي أصوات في حجرة النوم سيحيل حياة صاحبها إلى كابوس , تصور أن تعلم بأن هناك شبحا أو جنيا يسكن في حجرة نومك .
4 – يجب اختيار أكثر الأوقات هدوءا من أجل القيام بالتسجيل , حتما الليل هو أفضل خيار , خصوصا الساعات المتأخرة منه حيث يكون الجميع قد خلدوا للنوم وعم الهدوء .
5 – يمكن لصاحب التجربة البقاء في المكان أثناء التسجيل , لكن من الأفضل لو يخرج , خصوصا لو كان المكان عبارة عن حجرة مغلقة , لأن التنفس والحركة , حتى لو كانت بسيطة مثل التململ على كرسي , يمكن أن يترك أثرا على الصوت الذي يجري تسجيله , أما في حالة البقاء فيجب التزام الهدوء قدر الإمكان .
6 – لو كان من الصعب العثور على مكان هادئ فيمكن استعمال موجات الراديو , أختر موجة راديو خالية وسجل الصوت منها , وأحرص على أن تختار الموجات التي لا تشهد صخبا إذاعيا أو يمكن البث عليها بسهولة مثل الـ FM .
7 – يمكن طرح الأسئلة خلال التسجيل من قبيل : "هل هناك روح هنا ؟ " أو : "هل يوجد جني في الغرفة الآن" . يمكن طرح عدة أسئلة لكن يجب الحرص على ترك فترة زمنية فاصلة بين سؤال والآخر .
8 – ليس هناك حاجة للتسجيل لفترات طويلة , يمكن التسجيل لمدة 10 – 20 دقيقة في كل مرة .
9 – بعد الانتهاء من التسجيل يجب الاستماع لما تم تسجيله بدقة وعناية , والأفضل أن يتم استعمال سماعات أذن من النوع الجيد , مع محاولة تكبير الصوت قدر الإمكان . يجب الانتباه لكل وشوشة أو همسة أو هنة أو أنة حتى لو كانت خافتة وغير واضحة وإعادة الاستماع للمقاطع المشكوك فيها ببطء وتركيز كبير .
10 – في حال الحصول على نتيجة , أي العثور على صوت غريب في التسجيل , فيجب حفظه وتنزيله لاحقا على جهاز حاسوب من أجل أستعمل برامج الصوتيات المتطورة وذات القدرات العالية في تحليله . ومن الجيد دعوة آخرين لكي يستمعوا للتسجيل , مثلا الأصدقاء أو الزملاء في المدرسة , وذلك من اجل الحصول على رأيهم , سيكون ذلك مفيدا من ناحية تأكيد الشكوك حول ما تم تسجيله .
11 – يجب عدم اليأس بسرعة , من غير المرجح أن يحصل المرء على نتيجة من أول تسجيل , يجب المحاولة مجددا ومجددا , وانتهاز الفرص عن طريق محاولة التسجيل في الأماكن التي يزيد فيها احتمال تواجد كائنات العالم الآخر , كالبيوت القديمة والمعالم التاريخية والمقابر والأماكن المهجورة والبقاع المعزولة والهادئة.
12 – نصيحة أخيرة هي عدم الإقدام على خوض التجربة لو كان من يقوم بها من النوع الخواف وذو قلب ضعيف .
تفسيرات محتملة
مثلها مثل أي ظاهرة روحية أخرى تعرضت ظاهرة الصوت الالكتروني للتشكيك والانتقاد , أول هذه الانتقادات هي أن الظاهرة لا يمكن التأكد منها في ظروف معملية مسيطر عليها من قبل العلماء وأن أغلب التسجيلات الموجودة على النت ليست محل ثقة وربما تكون مزيفة فما أسهل أن يقوم شخص ما بعمل تسجيل صوتي ثم يضيف له بضعة كلمات بواسطة برامج الصوتيات أو حتى يهمس مباشرة في الميكروفون ثم يقوم برفع هذا التسجيل على النت زاعما بأنه ألتقط صوت شبح . أضف إلى ذلك فأن العلماء يقولون بأنه لا يوجد شيء أسمه صمت أو سكون مطلق وأنه دائما ما تكون هناك موجات أو ذبذبات طليقة في الجو يتعذر على الأذن البشرية سماعها , تذكر عزيزي القارئ بأن هناك آلاف الوسائط التي تبث مثل هذه الذبذبات .. إذاعات وفضائيات وأجهزة لاسلكي وظواهر طبيعية الخ – حتى المذنبات والشهب تصدر ذبذبات عند دخولها واحتراقها في الغلاف الجوي الأرض - وهذه الذبذبات هي التي تلتقطها مسجلات الصوت فيظن أصحابها بأنهم حصلوا على تواصل مع كائنات العالم الآخر.
أما التفسير الأقوى في جعبة المنتقدين فهو قائم على ظاهرة نفسية تدعى الباريدوليا حيث يقوم العقل بتفسير أنماط عشوائية على أنها أنماط مألوفة . بمعنى أبسط أن العقل يأخذ أمور وأشياء بدون أي معنى فيسبغ عليها معنى , كأن ترى بقعة على جدار غرفتك (رطوبة) فتخال بأنها وجه رجل , وبمرور الوقت وبسبب طول التحديق تصبح على يقين بأنها وجه رجل وليست مجرد بقعة عديمة المعنى – أنا حدث معي ذلك - . هذا الأمر ينطبق على الصوتيات أيضا , حيث يقوم العقل أحيانا بإعطاء معنى لأصوات غير مفهومة , كأن تسمع ضجيجا أو وشوشة غير مفهومة على شريط صوتي فتظن بأنها همهمة أشخاص يتحدثون أو أنها كلمات ذات معنى .
أخيرا ما رأيك أنت عزيزي القارئ .. هل حقا يمكن أن يكون هناك تواصل صوتي بين عالمنا وكائنات العالم الآخر ؟ أم انت مقتنع بتفسيرات العلماء ؟ .