هو قصير مكير ملئ ضفاف الأمازون طغيانا وجرما ، هو كاره لبنات ادم فما أراد بهن خيرا، هو إنسان ما ملك من إنسانيته إلا الإسما ، قتل واغتصب وخدع وأخفى ، يا من تفسد بالأرض تذكر دائما أن الله أقوى .
نشأة السفاح
22يناير من العام 1930 صرخ دانييل كمارجو باربوسا صرخته الأولى بهذه الحياة ، بأحدى مناطق جبال الأنديز المغمورة ، لم تشأ الأقدار لدانييل ان يعايش والدته او حتى ان يعرفها فقد توفيت قبل ان يتم عامه الأول و كان والده مدمنا للكحول لا تكاد الكأس تفارق يده ولا يهمه بهذه الدنيا شيء سوى توفر ثمن زجاجة مشروب اخرى ، ذلك الرجل اللامبالي لم يتوانى لحظة عن تعنيف وايذاء فلذة كبده دانييل .
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، اراد والد دانييل الزواج ولم يجد خيرا من امرأة اقل ما يقال عنها مختلة عقليا ، كانت عاقرا وتحلم ان ترزق بأبنة وهذا الحلم المستحيل كان يزيدها جنونا وفقدان للأمل ولم تكن تجد طريقة للتعبير عن سخطها من هذه الحياة سوى ايذاء الطفل دانييل .
اعتاد سكان تلك المنطقة رؤية دانييل يرتدي ملابس الفتيات مكرها واعتاد دانييل ان يمشي بين ضحكات واستهزاء سكان تلك المنطقة ، تناوب الوالد وزوجته على تعذيب دانييل بشتى اساليب العقاب الجسدية منها ناهيك عن الأساليب النفسية ، بل وصل الأمر الى ان جعلاه يجلس على الدبابيس .
بالنسبة لوالد دانييل ليس تعليم وتثقيف ابنه امر ضروري ، بل يجب على دانييل التركيز على امر واحد العمل وان يضع نصب عينيه احضار ثمن زجاجة مشروب الوالد ومصاريف ذلك المنزل وكان له ما اراده ، ترك دانييل المدرسة في سن مبكرة واتجه صوب سوق العمل لإعالة تلك الأسرة المفككة والتي لا تستحق لقب اسرة حتى .
كل ذلك الضرب والتعذيب والأستهزاء والتهميش والحرمان والضيق والقهر والظلم ناهيك عن اليتم ، سيدفع ثمنه المجتمع الذي سيحيط بدانييل اينما حل وارتحل ، صدق اهل الأختصاص عندما وصفو الأسرة بالخلية الأساسية لبناء المجتمع ونجاح المجتمع من نجاح الأسرة ، وان اي تفكك بالأسرة ستنمو تلك الخلية لتصبح سرطانا يفتك بذلك المجتمع .
طريق الدمار
بعد طفولة حزينة قضاها بين والده السكير وزوجة ابيه المجنونة ، ها هو دانييل يصل عامه ال28 ويبدأ سجله الأجرامي بالقبض عليه بتهمة السرقة عام 1958 في مدينة بوغوتا الكولومبية لكن سريعا ما خرج من السجن ، وارتبط بعلاقة عاطفية مع امرأة منفصلة عن زوجها ولديها طفلان تدعى (السيرا) لم تستمر العلاقة بينهما إلا لفترة قصيرة ، لأنه تعرف بفتاة تماثله بالسن تدعى ( اسبيرانزا) هاما ببعضهما عشقا ، لكن اكتشف دانييل لاحقا انها غير عذراء وكان هذا الأمر لا يناسب دانييل ولهذا وجدت اسبيرانزا حل يرضي الجميع ان تقوم بجلب الفتيات الصغيرات العذارى لدانييل حتى يغتصبهن مقابل بقاء دانييل واسبيرانزا مع بعضهما .
راقت هذه الفكرة دانييل ، وبدأ التنفيذ واستطاع دانييل اغتصاب اربع فتيات لم يتجاوزن الـ 13 عاما بمساعدة (اسبيرانزا ) التي تخدع الفتيات وتستدرجهن للشقة وتقم بتخديرهن بوساطة حبوب منومة وتقدمهن كقربان لدانييل ، وكما نعلم ليست في كل مرة تسلم الجرة ، الفتاة الخامسة والتي قام دانييل بالتعدي عليها وهي تحت التخدير اكتشفت الأمر وتم ايصاله للشرطة ، تحركت الشرطة الكولومبية والقت القبض على دانييل وشريكته وتم الحكم عليها بالسجن لمدة 3 سنوات بسجون منفصلة عن بعضهما .
إلا ان وقاحة دانييل وبرودة اعصابه واعرابه عن شكره لقرار القاضي الرحيم ، استفز قاضي اخر وادرك ان دانييل ليس مرجو منه اي اصلاح ، لذلك اعاد محاكمته وتم الحكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات قضاها اندرو خلف القضبان بدل ان تصلحه افسدته وزاد حقده وكراهيته تجاه النساء .
تم اطلاق سراح اندرو بعد ان قضى محكوميته عام 1973 وقصد بلاد السامبا (البرازيل) ، وبمجرد وصوله قبضت السلطات البرازيلية عليه ، لعدم امتلاكه اوراق ثبوتية واستطاع الخروج بعد مدة من البرازيل بهوية مزورة .
عاد لموطنه كولومبيا وبالتحديد الى مدينة بارانكويلا وعمل فيها بائعا متجول لأجهزة التلفاز وعاد لتصرفاته السابقة التي اصبحتهم تعرفونها جيدا ، وبإحدى ايام شهر مايو من عام 1974 ، خدع فتاة بعمر التاسعة واختطفها تلك الدموع النقية التي انهمرت من عيناها لم تكن كافية لثنيه عن تجريدها عذريتها وحياتها معا ، بعد سجنه لثمان سنوات لن يعود لخطئه ويترك الضحية حية فأصبح يغتصب ويقتل .
دائما ما يحوم المجرم حول مسرح الجريمة ، نسي دانييل احد اجهزة التلفاز في مسرح الجريمة بجانب جثة الفتاة فعاد ليأخذ الجهاز ، تزامنا مع مرور احد افراد الشرطة لم يرقه منظر دانييل فتتبعه حتى وصل مسرح الجريمة ، وهم دانييل بحمل التلفاز ففاجئه الشرطي وقبض عليه .
تم التحقيق مع دانييل واعترف بأغتصابه وقتله للفتاة فحكم عليه بالسجن لمدة 30 عاما بسجن (جورجونا) شديد الحراسة .
مع ان دانييل قتل واغتصب اكثر من 80 طفلة في ذلك الوقت لم يثبت عليه سوى تلك الجريمة .
ولمن لايعرف سجن جورجونا فهو سجن كولومبي شديد الحراسة يقع على جزيرة بركانية صغيرة تحيط بها التيارات المائية السريعة والقوية واسماك القرش الضارية التي تبحث عن اي شيء لتغرس به اسنانها ، ببساطة الأفلات من ذلك السجن امر شبه مستحيل .
ولكن كلمة المستحيل ليست موجودة بقاموس البعض ومنهم دانييل ، امضى ذلك الوحش من محكوميته عشر سنوات يدرس المنطقة وجغرافيتها ، ويلهث وراء الخلاص من ذلك السجن المحصن ، اي فرصة للتجوال على تلك الجزيرة ولو خطوات معدودة كان عبارة عن نافذة امل تشجع دانييل على بذل الجهد للهروب من ذلك المكان ، الى ان اتت تلك اللحظة واصبح حلم دانييل حقيقة واتيحت له فرصة للهرب فأحسن استغلالها ويا ليته لم يستغلها .
لحظة غفلة من رجال الأمن كانت كفيلة بفرار الوحش من ذلك السجن المشدد وتلك الجزيرة عبر قارب متهالك قام احدهم بالأستغناء عنه ، لم تكلف السلطة الكولومبية نفسها بالبحث بجدية عن دانييل فأعلنوا وفاته ، وصدرت صحف اليوم التالي معنونة بـ (اسماك القرش تلتهم الوحش) .
في تلك الأثناء كان دانييل يشرف على الهلاك ، بلا طعام او ماء وخارت قواه من التجذيف بعرض البحر دون ان يرى يابسة ، استمر دانييل على هذه الحال 3ايام حتى لمح طرف اليابسة ، يالها من لحظات سعيدة بالنسبة لذلك السفاح .
السفاح طليق من جديد
وصل دانييل احدى الشواطئ البرازيلية ، وبقي يتنقل بالقارة اللاتينية حتى وصل مدينة كيتو بالأكوادور وكأن تلك الدولة ينقصها مجرمين ، الأكوادور عزيزي القارئ دولة بها منسوب جريمة مرتفع بشكل محير ، بالرغم من قلة عدد سكانها مقارنة ببقية الدول اللاتينية الا ان كثرة جرائم القتل بها امر روتيني ، حتى خبراء السياحة يحذرون اي شخص ينوي السفر الى الأكوادور من التجوال بعد غروب الشمس لأنه سيكون عرضة للقتل ، حتى عند التجوال هناك ينصح بعدم حمل اي مبلغ مادي كبير كي لا تكون الضحية المقبلة .
بالعودة الى دانييل الذي بقي يتنقل بمدن الأكوادور ، وكما اسلفت سابقا كان الله بعون المجتمع الذي سيحل به دانييل وبالفعل اقل من اسبوعان على مكوثه بالأكوادور وتحديدا بتاريخ 18 ديسمبر من عام 1984 قام باختطاف فتاة بالتاسعة بمدينة كفيديو وفعل ما يفعله كل مرة من اغتصاب وقتل ، اليوم الذي يليه تم اختفاء فتاة بالعاشرة .
وتتوالى الأختفاءات والشرطة الأكوادورية بلا حول او قوة ، سفاح حر طليق والجثث التي يتم ايجادها لم تكن تسعف المحققين بأي دليل حتى ان الأطباء الشرعين عجزوا عن تحديد اسباب الوفاة ، فقد كان ذلك الوحش يخنق الضحية ويقوم بتغطية جسدها بالطعنات فيتعذر على الطبيب الشرعي ان يعرف سبب الوفاة اذا كانت من الطعنات ام ان الضحية قضت خنقا .
في الحقيقة لم يكن دانييل ذو قوة بدنية او جسد ضخم ، فقد كان رجلا بأواخر الخمسينات طوله 1،65 سم وكان هزيل للغاية ، رؤيته تجعل العيون دامعة على حاله ، كان قاتل سيكوباتي بكل معنى الكلمة ، تراه يحمل الكتب الدينية ويدعو للصلاح ويداعب الأطفال ويعطف عليهم ، كل تلك المشاهدات كانت تبعد الشبهات عن دانييل ، من سيشك برجل عجوز يمشي مع فتاة سيضنونه جدها ، (غواياكيل، كيتو، أمباتو، ماتشالا،نوبول، كيفيدو) كل تلك الأماكن تشهد الأختطافات ووجود بعض الجثث وبعض الجثث كان يخفيها ، والسلطات الأمنية بدون اي فائدة ترجى .
الأمر المحزن ان معظم الطفلات اللواتي كان يخدعهن دانييل كن يذهبن معه من اجل الحصول على قطعة حلوى ولا يدرين ما سيحل بهن ، الجوع كافر والفقر اساس كل علة عزيزي القارئ معظم السفاحين نشئو فقراء معدمين واكثر ضحاياهم كحالهم .
دانييل كان ينام بالحدائق العامة وكان يعتاش على بيع مقتنيات ضحاياه اي شيء يخص ضحيته كملابس او ساعة يد او اقلام او اي شيء اخر يصلح للبيع كان معدل دخله اليومي اقل من دولار ولكن كان يكفيه ثمن طعام ،ليعاود البحث عن ضحية جديدة .
كان دانييل ماكر يرتدي عدة ملابس فوق بعضها حينما تتلطخ طبقة بالدماء يخلعها ويتخلص منها وكان يغسل يداه من ما علق بهما من دماء الضحايا بالتبول عليهما
الوحش خلف القضبان
بعد ان فشلت الشرطة المحلية ذات الأداء الهزيل بالعثور على خيط يدلهم على دانييل ، أتى الآن دور الشرطة الدولية (الأنتربول ) المعروفة بكفاءتها العالية ، وبتاريخ 26 فبراير من عام 1986 وبعد ان قتل طفلة بالتاسعة تدعى (اليزابيث تيلبس ) واغتصبها واخفى معالم الجريمة و هم بمغادرة المكان قامت احدى دوريات الأنتربول برؤيته ولم يكن شكله يوحي بالراحة بالنسبة لهم ، فأوقفوه ونزل شرطيان وفتشاه وعندما قاموا بفتح حقيبة السفر التي كانت بحوزته وجدوا ثياب ملطخة بالدماء تعود لطفلة ، فأدركوا انهم امام غريمهم وتم اقتياده الى المركز الأمني لمباشرة التحقيق معه ، لم يتعبوا كثيرا بالتحقيق معه بمجرد وصوله لمكان التحقيق تكلم عن كل شيء حتى ابسط التفاصيل ، بلغ عدد الطفلات اللاتي قتلهن واغتصبهن دانييل 72 طفلة تحت ال13 عاما ، كان وقحا للغاية أثناء التحقيق ويستهزأ بالمحققين واجوبته تتبعها تعليقات هزلية ساخرة .
المحاكمة
هاهو دانييل يجلس بالمحكمة منتظرا النطق بالحكم عليه ونظرات اهالي المغدورات تطارده وكأنهم يرديدون تقطعيه اربا قبل النطق بالحكم ، دخل القضاة والمحلفون القاعة واستحضروا احداث القضية وكل ما يتعلق بها واماكن دفن ضحاياه التي كان معظمها غابات المنجروف القريبة ، الآن تلك اللحظة المنشودة ، نطق القاضي بالحكم وانزل بدانييل اشد عقوبة ، عزيزي القارئ عندما قرأت الجملة السابقة انا متأكد انك توقعت ان الحكم سيكون اعدام واذا كنت متشائما ستتوقع ان الحكم سيكون السجن المؤبد ، ولكن اولئك القضاة خيبوا ظننا وحكموا على دانييل بالسجن لمدة 16 عاما !!!
هذه العقوبة اقسى عقوبة بالأكوادور حتى هذه اللحظة ، بعدا لهكذا قانون ينصر القاتل على الضحية 72 فتاة تم اغتصابهن وقتلهن ويعاقب القاتل بالسجن 16 عاما ، يالها من عقوبة لا تستحق وضع محامي او عمل استئناف او حتى استرحام لقد ضحك دانييل كثيرا على هذا الحكم ، بدل ان ينام بالحدائق العامة بلا طعام اصبح له الآن مأوى وثلاث وجبات السجن كان عبارة عن فندق بالنسبة له ، ولقد وضعوا حماية خاصة له خوفا من محاولات الانتقام .
دانييل الذي طغى وقتل وافسد ، استمر بسخريته من ذلك الحكم واعرب عن فرحه انه اصبح مشهورا بل وصلت به الوقاحة اكثر من ذلك عندما اتى احد الصحفيين ينوي عمل مقابلة معه فقام بطلب مبلغ كبير من المال يفوق الـ 50 الف دولار للتحدث عن جرائمه للصحافة .
دانييل كان ينتظر ان يفرج عنه بعد عدة سنوات ويخرج عجوز ببداية السبعينات ويكمل ما تبقى له من العمر كما يشاء ولكن هيهات .
إذا اخطأ قاضي الأرض فهنالك قاضي السماء الذي لا يخطئ ، العدالة سوف تظهر والحق سوف يعود لأصحابه مادام الله موجودا .
وفي يوم 13 نوفمبر من عام 1994 بينما كان اندرو يجلس في زنزانته مطأطأ رأسه وهو يفكر بأمر فوجئ بيد تمتد فوق رأسه وتمنعه من رفعه ، كانت تلك يد لويس نارفيز ابن عم احدى ضحايا دانييل والذي اتى ليثأر لأبنة عمه ، (ان وقت الأنتقام قد حان ) هذه الجملة التي قالها لويس قبل ان يمطر جسد دانييل الهزيل بالطعنات ويجعله يشرب من نفس الكأس الذي سقى به دانييل ضحاياه ، وتوفي بالحال .
ختاما
64 عاما هي كامل ، حياة دانييل بدأها فقيرا مشردا معذبا وأنهاها بنفس الطريقة ، إلا أن بدايته فُرضت عليه أما نهايته فقد صنعها بيده . قتل واغتصب 150 فتاة من دون رحمة فأستحق تلك النهاية ، الثأر ليس سوى جريمة لا تبرر، ولكن عندما لا يوجد قانون رادع ستجد الثار بديلا للقانون .
نشأة السفاح
22يناير من العام 1930 صرخ دانييل كمارجو باربوسا صرخته الأولى بهذه الحياة ، بأحدى مناطق جبال الأنديز المغمورة ، لم تشأ الأقدار لدانييل ان يعايش والدته او حتى ان يعرفها فقد توفيت قبل ان يتم عامه الأول و كان والده مدمنا للكحول لا تكاد الكأس تفارق يده ولا يهمه بهذه الدنيا شيء سوى توفر ثمن زجاجة مشروب اخرى ، ذلك الرجل اللامبالي لم يتوانى لحظة عن تعنيف وايذاء فلذة كبده دانييل .
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، اراد والد دانييل الزواج ولم يجد خيرا من امرأة اقل ما يقال عنها مختلة عقليا ، كانت عاقرا وتحلم ان ترزق بأبنة وهذا الحلم المستحيل كان يزيدها جنونا وفقدان للأمل ولم تكن تجد طريقة للتعبير عن سخطها من هذه الحياة سوى ايذاء الطفل دانييل .
اعتاد سكان تلك المنطقة رؤية دانييل يرتدي ملابس الفتيات مكرها واعتاد دانييل ان يمشي بين ضحكات واستهزاء سكان تلك المنطقة ، تناوب الوالد وزوجته على تعذيب دانييل بشتى اساليب العقاب الجسدية منها ناهيك عن الأساليب النفسية ، بل وصل الأمر الى ان جعلاه يجلس على الدبابيس .
بالنسبة لوالد دانييل ليس تعليم وتثقيف ابنه امر ضروري ، بل يجب على دانييل التركيز على امر واحد العمل وان يضع نصب عينيه احضار ثمن زجاجة مشروب الوالد ومصاريف ذلك المنزل وكان له ما اراده ، ترك دانييل المدرسة في سن مبكرة واتجه صوب سوق العمل لإعالة تلك الأسرة المفككة والتي لا تستحق لقب اسرة حتى .
كل ذلك الضرب والتعذيب والأستهزاء والتهميش والحرمان والضيق والقهر والظلم ناهيك عن اليتم ، سيدفع ثمنه المجتمع الذي سيحيط بدانييل اينما حل وارتحل ، صدق اهل الأختصاص عندما وصفو الأسرة بالخلية الأساسية لبناء المجتمع ونجاح المجتمع من نجاح الأسرة ، وان اي تفكك بالأسرة ستنمو تلك الخلية لتصبح سرطانا يفتك بذلك المجتمع .
طريق الدمار
بعد طفولة حزينة قضاها بين والده السكير وزوجة ابيه المجنونة ، ها هو دانييل يصل عامه ال28 ويبدأ سجله الأجرامي بالقبض عليه بتهمة السرقة عام 1958 في مدينة بوغوتا الكولومبية لكن سريعا ما خرج من السجن ، وارتبط بعلاقة عاطفية مع امرأة منفصلة عن زوجها ولديها طفلان تدعى (السيرا) لم تستمر العلاقة بينهما إلا لفترة قصيرة ، لأنه تعرف بفتاة تماثله بالسن تدعى ( اسبيرانزا) هاما ببعضهما عشقا ، لكن اكتشف دانييل لاحقا انها غير عذراء وكان هذا الأمر لا يناسب دانييل ولهذا وجدت اسبيرانزا حل يرضي الجميع ان تقوم بجلب الفتيات الصغيرات العذارى لدانييل حتى يغتصبهن مقابل بقاء دانييل واسبيرانزا مع بعضهما .
راقت هذه الفكرة دانييل ، وبدأ التنفيذ واستطاع دانييل اغتصاب اربع فتيات لم يتجاوزن الـ 13 عاما بمساعدة (اسبيرانزا ) التي تخدع الفتيات وتستدرجهن للشقة وتقم بتخديرهن بوساطة حبوب منومة وتقدمهن كقربان لدانييل ، وكما نعلم ليست في كل مرة تسلم الجرة ، الفتاة الخامسة والتي قام دانييل بالتعدي عليها وهي تحت التخدير اكتشفت الأمر وتم ايصاله للشرطة ، تحركت الشرطة الكولومبية والقت القبض على دانييل وشريكته وتم الحكم عليها بالسجن لمدة 3 سنوات بسجون منفصلة عن بعضهما .
إلا ان وقاحة دانييل وبرودة اعصابه واعرابه عن شكره لقرار القاضي الرحيم ، استفز قاضي اخر وادرك ان دانييل ليس مرجو منه اي اصلاح ، لذلك اعاد محاكمته وتم الحكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات قضاها اندرو خلف القضبان بدل ان تصلحه افسدته وزاد حقده وكراهيته تجاه النساء .
تم اطلاق سراح اندرو بعد ان قضى محكوميته عام 1973 وقصد بلاد السامبا (البرازيل) ، وبمجرد وصوله قبضت السلطات البرازيلية عليه ، لعدم امتلاكه اوراق ثبوتية واستطاع الخروج بعد مدة من البرازيل بهوية مزورة .
عاد لموطنه كولومبيا وبالتحديد الى مدينة بارانكويلا وعمل فيها بائعا متجول لأجهزة التلفاز وعاد لتصرفاته السابقة التي اصبحتهم تعرفونها جيدا ، وبإحدى ايام شهر مايو من عام 1974 ، خدع فتاة بعمر التاسعة واختطفها تلك الدموع النقية التي انهمرت من عيناها لم تكن كافية لثنيه عن تجريدها عذريتها وحياتها معا ، بعد سجنه لثمان سنوات لن يعود لخطئه ويترك الضحية حية فأصبح يغتصب ويقتل .
دائما ما يحوم المجرم حول مسرح الجريمة ، نسي دانييل احد اجهزة التلفاز في مسرح الجريمة بجانب جثة الفتاة فعاد ليأخذ الجهاز ، تزامنا مع مرور احد افراد الشرطة لم يرقه منظر دانييل فتتبعه حتى وصل مسرح الجريمة ، وهم دانييل بحمل التلفاز ففاجئه الشرطي وقبض عليه .
تم التحقيق مع دانييل واعترف بأغتصابه وقتله للفتاة فحكم عليه بالسجن لمدة 30 عاما بسجن (جورجونا) شديد الحراسة .
مع ان دانييل قتل واغتصب اكثر من 80 طفلة في ذلك الوقت لم يثبت عليه سوى تلك الجريمة .
ولمن لايعرف سجن جورجونا فهو سجن كولومبي شديد الحراسة يقع على جزيرة بركانية صغيرة تحيط بها التيارات المائية السريعة والقوية واسماك القرش الضارية التي تبحث عن اي شيء لتغرس به اسنانها ، ببساطة الأفلات من ذلك السجن امر شبه مستحيل .
ولكن كلمة المستحيل ليست موجودة بقاموس البعض ومنهم دانييل ، امضى ذلك الوحش من محكوميته عشر سنوات يدرس المنطقة وجغرافيتها ، ويلهث وراء الخلاص من ذلك السجن المحصن ، اي فرصة للتجوال على تلك الجزيرة ولو خطوات معدودة كان عبارة عن نافذة امل تشجع دانييل على بذل الجهد للهروب من ذلك المكان ، الى ان اتت تلك اللحظة واصبح حلم دانييل حقيقة واتيحت له فرصة للهرب فأحسن استغلالها ويا ليته لم يستغلها .
لحظة غفلة من رجال الأمن كانت كفيلة بفرار الوحش من ذلك السجن المشدد وتلك الجزيرة عبر قارب متهالك قام احدهم بالأستغناء عنه ، لم تكلف السلطة الكولومبية نفسها بالبحث بجدية عن دانييل فأعلنوا وفاته ، وصدرت صحف اليوم التالي معنونة بـ (اسماك القرش تلتهم الوحش) .
في تلك الأثناء كان دانييل يشرف على الهلاك ، بلا طعام او ماء وخارت قواه من التجذيف بعرض البحر دون ان يرى يابسة ، استمر دانييل على هذه الحال 3ايام حتى لمح طرف اليابسة ، يالها من لحظات سعيدة بالنسبة لذلك السفاح .
السفاح طليق من جديد
وصل دانييل احدى الشواطئ البرازيلية ، وبقي يتنقل بالقارة اللاتينية حتى وصل مدينة كيتو بالأكوادور وكأن تلك الدولة ينقصها مجرمين ، الأكوادور عزيزي القارئ دولة بها منسوب جريمة مرتفع بشكل محير ، بالرغم من قلة عدد سكانها مقارنة ببقية الدول اللاتينية الا ان كثرة جرائم القتل بها امر روتيني ، حتى خبراء السياحة يحذرون اي شخص ينوي السفر الى الأكوادور من التجوال بعد غروب الشمس لأنه سيكون عرضة للقتل ، حتى عند التجوال هناك ينصح بعدم حمل اي مبلغ مادي كبير كي لا تكون الضحية المقبلة .
بالعودة الى دانييل الذي بقي يتنقل بمدن الأكوادور ، وكما اسلفت سابقا كان الله بعون المجتمع الذي سيحل به دانييل وبالفعل اقل من اسبوعان على مكوثه بالأكوادور وتحديدا بتاريخ 18 ديسمبر من عام 1984 قام باختطاف فتاة بالتاسعة بمدينة كفيديو وفعل ما يفعله كل مرة من اغتصاب وقتل ، اليوم الذي يليه تم اختفاء فتاة بالعاشرة .
وتتوالى الأختفاءات والشرطة الأكوادورية بلا حول او قوة ، سفاح حر طليق والجثث التي يتم ايجادها لم تكن تسعف المحققين بأي دليل حتى ان الأطباء الشرعين عجزوا عن تحديد اسباب الوفاة ، فقد كان ذلك الوحش يخنق الضحية ويقوم بتغطية جسدها بالطعنات فيتعذر على الطبيب الشرعي ان يعرف سبب الوفاة اذا كانت من الطعنات ام ان الضحية قضت خنقا .
في الحقيقة لم يكن دانييل ذو قوة بدنية او جسد ضخم ، فقد كان رجلا بأواخر الخمسينات طوله 1،65 سم وكان هزيل للغاية ، رؤيته تجعل العيون دامعة على حاله ، كان قاتل سيكوباتي بكل معنى الكلمة ، تراه يحمل الكتب الدينية ويدعو للصلاح ويداعب الأطفال ويعطف عليهم ، كل تلك المشاهدات كانت تبعد الشبهات عن دانييل ، من سيشك برجل عجوز يمشي مع فتاة سيضنونه جدها ، (غواياكيل، كيتو، أمباتو، ماتشالا،نوبول، كيفيدو) كل تلك الأماكن تشهد الأختطافات ووجود بعض الجثث وبعض الجثث كان يخفيها ، والسلطات الأمنية بدون اي فائدة ترجى .
الأمر المحزن ان معظم الطفلات اللواتي كان يخدعهن دانييل كن يذهبن معه من اجل الحصول على قطعة حلوى ولا يدرين ما سيحل بهن ، الجوع كافر والفقر اساس كل علة عزيزي القارئ معظم السفاحين نشئو فقراء معدمين واكثر ضحاياهم كحالهم .
دانييل كان ينام بالحدائق العامة وكان يعتاش على بيع مقتنيات ضحاياه اي شيء يخص ضحيته كملابس او ساعة يد او اقلام او اي شيء اخر يصلح للبيع كان معدل دخله اليومي اقل من دولار ولكن كان يكفيه ثمن طعام ،ليعاود البحث عن ضحية جديدة .
كان دانييل ماكر يرتدي عدة ملابس فوق بعضها حينما تتلطخ طبقة بالدماء يخلعها ويتخلص منها وكان يغسل يداه من ما علق بهما من دماء الضحايا بالتبول عليهما
الوحش خلف القضبان
بعد ان فشلت الشرطة المحلية ذات الأداء الهزيل بالعثور على خيط يدلهم على دانييل ، أتى الآن دور الشرطة الدولية (الأنتربول ) المعروفة بكفاءتها العالية ، وبتاريخ 26 فبراير من عام 1986 وبعد ان قتل طفلة بالتاسعة تدعى (اليزابيث تيلبس ) واغتصبها واخفى معالم الجريمة و هم بمغادرة المكان قامت احدى دوريات الأنتربول برؤيته ولم يكن شكله يوحي بالراحة بالنسبة لهم ، فأوقفوه ونزل شرطيان وفتشاه وعندما قاموا بفتح حقيبة السفر التي كانت بحوزته وجدوا ثياب ملطخة بالدماء تعود لطفلة ، فأدركوا انهم امام غريمهم وتم اقتياده الى المركز الأمني لمباشرة التحقيق معه ، لم يتعبوا كثيرا بالتحقيق معه بمجرد وصوله لمكان التحقيق تكلم عن كل شيء حتى ابسط التفاصيل ، بلغ عدد الطفلات اللاتي قتلهن واغتصبهن دانييل 72 طفلة تحت ال13 عاما ، كان وقحا للغاية أثناء التحقيق ويستهزأ بالمحققين واجوبته تتبعها تعليقات هزلية ساخرة .
المحاكمة
هاهو دانييل يجلس بالمحكمة منتظرا النطق بالحكم عليه ونظرات اهالي المغدورات تطارده وكأنهم يرديدون تقطعيه اربا قبل النطق بالحكم ، دخل القضاة والمحلفون القاعة واستحضروا احداث القضية وكل ما يتعلق بها واماكن دفن ضحاياه التي كان معظمها غابات المنجروف القريبة ، الآن تلك اللحظة المنشودة ، نطق القاضي بالحكم وانزل بدانييل اشد عقوبة ، عزيزي القارئ عندما قرأت الجملة السابقة انا متأكد انك توقعت ان الحكم سيكون اعدام واذا كنت متشائما ستتوقع ان الحكم سيكون السجن المؤبد ، ولكن اولئك القضاة خيبوا ظننا وحكموا على دانييل بالسجن لمدة 16 عاما !!!
هذه العقوبة اقسى عقوبة بالأكوادور حتى هذه اللحظة ، بعدا لهكذا قانون ينصر القاتل على الضحية 72 فتاة تم اغتصابهن وقتلهن ويعاقب القاتل بالسجن 16 عاما ، يالها من عقوبة لا تستحق وضع محامي او عمل استئناف او حتى استرحام لقد ضحك دانييل كثيرا على هذا الحكم ، بدل ان ينام بالحدائق العامة بلا طعام اصبح له الآن مأوى وثلاث وجبات السجن كان عبارة عن فندق بالنسبة له ، ولقد وضعوا حماية خاصة له خوفا من محاولات الانتقام .
دانييل الذي طغى وقتل وافسد ، استمر بسخريته من ذلك الحكم واعرب عن فرحه انه اصبح مشهورا بل وصلت به الوقاحة اكثر من ذلك عندما اتى احد الصحفيين ينوي عمل مقابلة معه فقام بطلب مبلغ كبير من المال يفوق الـ 50 الف دولار للتحدث عن جرائمه للصحافة .
دانييل كان ينتظر ان يفرج عنه بعد عدة سنوات ويخرج عجوز ببداية السبعينات ويكمل ما تبقى له من العمر كما يشاء ولكن هيهات .
إذا اخطأ قاضي الأرض فهنالك قاضي السماء الذي لا يخطئ ، العدالة سوف تظهر والحق سوف يعود لأصحابه مادام الله موجودا .
وفي يوم 13 نوفمبر من عام 1994 بينما كان اندرو يجلس في زنزانته مطأطأ رأسه وهو يفكر بأمر فوجئ بيد تمتد فوق رأسه وتمنعه من رفعه ، كانت تلك يد لويس نارفيز ابن عم احدى ضحايا دانييل والذي اتى ليثأر لأبنة عمه ، (ان وقت الأنتقام قد حان ) هذه الجملة التي قالها لويس قبل ان يمطر جسد دانييل الهزيل بالطعنات ويجعله يشرب من نفس الكأس الذي سقى به دانييل ضحاياه ، وتوفي بالحال .
ختاما
64 عاما هي كامل ، حياة دانييل بدأها فقيرا مشردا معذبا وأنهاها بنفس الطريقة ، إلا أن بدايته فُرضت عليه أما نهايته فقد صنعها بيده . قتل واغتصب 150 فتاة من دون رحمة فأستحق تلك النهاية ، الثأر ليس سوى جريمة لا تبرر، ولكن عندما لا يوجد قانون رادع ستجد الثار بديلا للقانون .