"كل ضباط السفينة قد ماتوا... كل طاقم السفينة ماتوا... مات قبطان السفينة ايضا" .."انا كذلك اموت" .
كان ذلك النداء المرعب في يونيو من عام ١٩٤٧ هو السطر الأول في واحدة من أكثر ملاحم البحار رعبا، ملحمة ستبدأ بالرعب و الغموض وستنتهي بالغموض والرعب وما بينهم ألغاز لا حصر لها تكفى لردم خندق ماريانا .
مرسل النداء كان سفينة الشحن الهولندية (اورانج ميدان) التي كانت تبحر بالقرب من سواحل مدينة ميدان الاندونيسية في طريقها من الصين الي كوستاريكا، هنا التقطت محطات الإرسال الهولندية و البريطانية إضافة إلى بعض السفن المحيطة باورانج ميدان نداء الاستغاثة ، كانت أقرب السفن إليها سفينة الشحن الأمريكية سيلفر ستار (النجمة الفضية) التي انطلقت إليها كالسهم وهناك وجدوها تقف في صمت مهيب.. وسكون ابدي.
لم يضيع بحارة النجمة الفضية الوقت ليقرر قبطانها الصعود الى سطح (اورانج ميدان) لتقصي ما حدث... وهناك كانت تنتظرهم الصاعقة.
لم يكن هناك أي آثار للدماء
على سطح (اورانج ميدان) كانت تنتشر جثث طاقم السفينة بلا استثناء حتى الكلب المرافق لهم وجد ميتا، حتى الشخص الذي ارسل نداءات الاستغاثة وجد ميتا فوق جهاز اللاسلكي، نعم الرسالة كانت صادقة لكن الحقيقة كانت مروعة لم يكن الموت وحده هو العامل المشترك بين طاقم السفينة ثمة شئ اخر... كان رعب هائل يرتسم على الوجوه والعيون جاحظة في فزع ترمق السماء واياديهم مفرودة أمامهم وكأنهم يشيرون الي شيء ما .. حتي الكلب كان الخوف يبدو على ملامحه.
لم يكن هناك أي آثار للدماء... لا وجود لأي عطب في السفينة يمنعها من مواصلة الابحار... لا شئ يدل على القراصنة، كما احس بحارة النجمة الفضية ببرودة شديدة كانت على النقيض من الطقس خارج السفينة الذي كان معتدلا في ذلك اليوم.
إزاء ذلك الموقف الرهيب لم يجد قبطان (النجمة الفضية) سوي سحب (اورانج ميدان) الي المرفأ وهناك يحين وقت البحث عن الإجابات لكل ما واجهوه ، لكن (اورانج ميدان) زينت ما حدث بلغز جديد فلم تمهلهم لفعل شئ سوي الهروب من على متنها فقد اندلع خيط من النار أسفل السفينة فجأة... ومن ثم اشتعلت السفينة ومن ثم انفجرت ومن ثم غاصت الي القاع... الي الأبد.
لكن ذلك لم يمنعها من الابحار مجددا في محيط عظيم من التساؤلات على يد المحقق البريطاني (روى بينتون) الذي يعمل بمجلة Sea breezes فبعد سنوات عدة على غرقها الغامض بدأ (روى) في تحقيقاته... وهنا بدأت المفاجأت تتوالى ففي حين بدأ بحثه في السجلات البحرية، وجد انه لا توجد سفينة اسمها (اورانج ميدان) على الإطلاق بل وهناك من قال ان اسمها ليس (اورانج ميدان) وانها استمدت ذلك الاسم من غرقها امام سواحل مدينة ميدان وتعني كلمة اورانج بالاندونيسية الرجل وان اسمها الحقيقي مجهولا وسيظل كذلك .. كانت تلك نتيجة قاصمة تكفى لدحر جهود الرجل تماما وان يتوقف من حيث بدأ.
لكن (روى) لجأ الي حيلة ذكية فقد نشر نداء بمجلة Sea breezes لمن يملك اي معلومات يمكن أن تفيده في القضية لتأتي الحيلة ثمارها فقد ارسل اليه بروفيسور ألماني يدعي (ثيودر سيردوفر) وصف نفسه بأنه موسوعة السفن الغارقة ملفا به مذكرات بحار يدعي (اوتو ميلك) كان يقول في مذكراته انه يعتقد بأن (اورانج ميدان) كان تحمل شحنة من المواد السامة، ليلتقط (روى) هذا الخيط فيبني عليه نظريته، تلك النظرية التي ستزيح القليل من الغموض بينما ستبقى على الكثير.
هل كانت السفينة تحمل غازات سامة؟
يعتقد (روى) بأن السفينة كانت تحمل غازات سامة لقمع اضطرابات المسلمين في إندونيسيا التي كانت تحت الاحتلال الهولندي انذاك ونظرا لتوقيع هولندا ضمن ٣٣ دولة على اتفاقية جنيف لحظر استخدام الغازات السامة التي تلت الحرب العالمية الثانية كان لابد من طريقة للهولنديين تتنصل بها من استخدام ذلك السلاح ، ويتمادي قائلا ان ما انتجته الوحدة ٧٣١ اليابانية تحت إشراف العالم شيرو ايشاي وجد طريقه الي يد المستعمر الهولندي خصوصا بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية وهنا لجأوا اي الهولنديين الي محو السفينة من سجلات البحرية تماما واثناء ابحارها حدث تسرب من احد البراميل تسبب في اختناق الطاقم ومن بعدها انفجار السفينة.
صحيح هذه النظرية قد تبدو معقولة الي حد كبير وتجيب عن لغز اختفاء السفينة من السجلات البحرية، لكن المنطق هو المنطق... ماذا عن هيئة طاقم السفينة (اورانج ميدان) وقت صعود بحارة (النجمة الفضية)على سطحها؟ لماذا بدا عليهم الرعب وهم ينظرون جميعهم الي السماء واياديهم مفرودة وكأنها تشير الي شئ نعجز عن رؤيته؟ من أين أتت البرودة الشديدة على سطح (اورانج ميدان) على الرغم من اعتدال الجو وقتها خارج السفينة؟ على الأرجح انهم ماتوا بسبب الرعب من شئ ما... وليس بسبب الاختناق.
كم من فرضيات ستساق... وكم من أسئلة ستطرح...الشئ الوحيد المؤكد ان كل ما يتعلق بما حدث لطاقم اورانج ميدان سواء كان اسمها ام لا.... سيذهب ورائهم.
للأشتراك فى قناة "الجانب الاخر" اضغط هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق