السدود التى لا تقهر

سد بانكياو
فى بداية عام 1940 ولمدة 4 سنوات متتالية انخفض معدل سقوط الأمطار السنوى فى مقاطعة خنان الصينية الملقبة بصومعة الغلال الصينية مما ادى الى تراجع حاد فى الانتاج الزراعى للمقاطعة و وفاة الالآف ونزوح 13 مليون مواطن من المقاطعة  حتى جاء عام  1950 و اعلنت الصين بدء برنامج طموح للسيطرة على حوض نهر هواى فى مقاطعة خنان  بهدف السيطرة على الفيضانات الكبيرة التى يتعرض لها النهر والتوسع فى مشروعات الرى مع توفير طاقة كهربية تبحث عنها وهو برنامج يتشابه فى كثير منه مع مخطط سدود اثيوبيا للسيطرة على فيضان النيل الأزرق .

رغم معارضة علماء من الصين لمشروعات السدود خلال تلك الفترة الا ان الصين قررت المضي قُدماً فى تنفيذ مخططها الطموح بالسيطرة على نهرى رو وهونج بإعتبارهما جزء من نظام النهر الجامح وكانت المفارقة ان تستعين الحكومة الصينية بصاحب الرأى المعارض الشهير تشن شينغ  عالم الهيدرولوجيا الصينى للمشاركة فى تصميم سد بانكياو على نهر رو و سد شيمانتان على نهر هونج بالإضافة الى عدد كبير من السدود الصغيرة .

اعلن تشن شينغ العالم الصينى ان سد بانكياو يحتاج 12 بوابة لتصريف المياه لكن الحكومة قررت الإكتفاء ب 5 بوابات فقط واعلن ايضا ان تصميم سد شيمانتيان لا يفي بمتطلبات السلامه و عبرعن انتقاده الشديد لمخطط السدود بأن الإفراط في بناء السدود والخزانات يمكن أن يرفع منسوب المياه في مقاطعة خنان إلى ما بعد المستويات الآمنة ويؤدي إلى كارثة .

قررت الحكومة الصينية الإستغناء عن خدمات الناصح الأمين تشن شينغ بعد تصريحاته والمضي فى طريقها وانتهت فعليا من سد بانكياو على نهر رو وسد شيمانتان على نهر هونج  وكانت الصدمة حدوث تشققات فى جسم السد الاول  ومشاكل فنيه فى بوابات السد الثانى فطلبت الإستعانة بخدمات تشن شينغ مرة اخرى ولكنه عاود انتقاده الشديد وحذر من الكارثة المنتظرة فتم الإستغناء عنه للمرة الثانية .

تجاهلت الصين عن عمد نصائح تشن شينغ عندما قال أنه وفقاً للقانون العلمى يتم الحصول على المياه من المياه وإذا لم تتبع القواعد العلمية سوف تتضرر بالمياه ان المشكلة تكمن ايضا فى حسابات الفيضانات النادرة التى قد تحدث وان كانت فترة القفزة العظيمة بعد انشاء السدود من عام 1958 الى 1960 ساهمت فى رفع انتاج مقاطعة خنان من الغلال الى 12 مليون طن سنويا بعد ان كان 7.4 مليون طن عام 1949 الا ان عام 1961 شهد انخفاض فى الانتاج الى 6.8 مليون طن اى اقل من الانتاج السنوى قبل انشاء السدود لقد ادرك الناس الحقيقة .

لم تتراجع الصين عن برنامجها وقررت القضاء على تلك المشاكل واستعانت بالخبراء السوفيت وبالفعل استطاعوا إنهاء الازمة وأكتمل مشروع سد بانكياو على ارتفاع 111 متر و سعة تخزينية تقترب من مليار متر مكعب من المياه و اكتمل ايضا مشروع سد شيمانتان بسعة تخزينية تقترب من 200 مليون متر مكعب من المياه ، ارقام لا تذكر مع  رقم 74 مليار متر مكعب من المياه المقرر تخزينها فى بحيرة  سد النهضه الاثيوبي مجرد توضيح  .

لم تكتفى الصين بعد انتهاء المشروعين ولم تتراجع بل اطلقت على السدود لقب السدود الحديدية التى لا يمكن ان تكسر او تقهرها الفيضانات  ونشرت صحيفة الشعب الصينية فى صدر صفحتها الاولى ان السدود تستطيع السيطرة على اعتى الفيضانات التى لا تحدث الا مرة كل  1000 عام ! الى ان جاء الموعد المنتظر مع الكارثة بعد سنوات قليلة من تصريح السدود الحديدية التى لا تقهر  .

فى الخامس من شهر اغسطس 1975 اتجه اعصار نينا الى مقاطعة خنان وارتفعت معدلات سقوط الامطار الى ارقام تجاوزت ما يحدث فى اعتى الفيضانات التى لا تحدث الا مرة واحدة كل 2000 عام وسجلت فى محيط سد بانكياو 448 ملم يوم 5 اغسطس وانخفضت يوم 6 اغسطس الى 190 ملم وظن الجميع ان الاعصار انحسر وتراجعت مستويات المياه فى السدود قبل ان يعاود الاعصار مرة اخرى يوم 8 اغسطس لتسجل معدلات سقوط الامطار 784 ملم و ما هى الا ساعات حتى انهار جدار السد وتشكل تسونامى بإرتفاع 7 أمتار جرف فى طريقه عشرات السدود الصغيرة وبالمثل انهار سد شيمانتيان  وما كان من سلاح الجو الصينى الا ان يقوم بتنفيذ طلعات جوية لتدمير عدد اخر من السدود لتخفيف حدة موجة تسونامى التى لم تترك سدا فى طريقها و انهت حياة 170 الف انسان وشردت 11 مليون انسان ورضخت الحكومة الصينية فى النهاية لنصائح تشين شينغ واستعانت به فى مراجعة منشآت السدود .

محتويات الموضوع