ليس هناك ما هو أكثر من الذين يفكّرون بحماقة، أصادف الكثير منهم يوميّاً. في الفترة السابقة، وفي معظم المناقشات الإعلامية، لاحظتُ بأن الناس يقعون في نفس المغالطات المنطقية، يكررونها مراراً وتكراراً..لذلك أردت أن أكتب مقالاً عن هذا الموضوع ولكي أساعد في الحدّ من هذه الحماقات الفكرية.
كوِّن فِكرَك الخاص!
كُفَّ عن التأرجح بين رأي فلان ورأي فلان، هذا أمرٌ مُتعب.
كوِّن فِكرَك المُستقِلّ، اجتهد وابحث جيِّداً لكي تستنتج رأيك ثم بعد ذلك استمع إلى الآراء الأخرى، لا تكن مثل العامّة، تنتظر فلاناً لكي يُملي عليك ما يجب أن تفكر فيه. كفاك كسلاً.
الشك ثم الشك ثم الشك
هذه نقطة مهمة، عليك ألا تصدق كل ما تسمعه، تقرأه، أو تُشاهده.
إنك لا تأمن أن يكونوا صادقين في عصرٍ انتشر فيه الكذب والخداع، معظم الأخبار مُزيّفة أو يتم تضخيمها لإثارة الجماهير أو على الأقل يكون جزء منها فقط صحيحاً.
خلال الحرب العالمية الثانية، كانت القوات الإنجليزية تُشيع أخباراً مزيفة تفيد بأن الصواريخ الألمانية التي تقصف لندن، تتخطى لندن وتسقط بعيداً عنها بمسافة 20 ميلاً، ولكن الحقيقة أن الصواريخ كانت تسقط على لندن فعلاً! ومات الكثيرون. هذا الخبر جعل الألمان يقصّرون مدى الصواريخ 20 ميلاً وبالفعل نجحت الخدعة وسقطت معظم الصواريخ في مقاطعة “كنت” قبل أن تصل لندن.
عندما أفكّر بهذا الخبر، أتعجّب أن ذلك حدث عام 1939م أي قبل 71 سنة، فماذا يحدث الآن! أقصد فكِّر في كَمِّ الأخبار غير الصحيحة التي نصدقها.
أعِد التفكير في كل شيء
أكثر الأفكار عقلانية قد يكون خطأً بالمرّة. فكر في أكثر الأمور تفاهة، خصوصا الاعتيادية والتقليدية!
هل هذا رأيك حقًا أم أنك فقط ورثته من والدَيك؟
هناك تجربة أجراها جيسون سيلفا في برنامجه “ألعاب العقل”، وضّح فيها كيف أن أعظم الأفكار في نظرك قد تكون مجرد فكرة توارثتها أجيال من الحمقى الذين لا يستخدمون عقولهم!!
جرِّب أن تنظُر خارج قوقعتك
بعد أن بحثت باجتهاد وفكّرت بتمعن، جرّب أن تلقي نظرة على أفكار الآخرين، خصوصا أولئك الذين تراهم مختلفين عنك – فكرياً – كلياً.
فقط افترض إنك مكانهم، حاول أن تتقبّل هذه الآراء التي تكرهها، فكّر ما الدوافع التي تجعلهم يقتنعون بهذه الفكرة؟ ما هي الأدلة التي يستخدمونها؟ لربّما تكتشف أنك على خطأ.
محتمل أن تكون الفكرة منتشرة حولك فقط، فلو أحطت نفسك بالمكتئبين والمحبطين فلا شك أنك ستقتنع بعد فترة أن هناك حالة عامة من الحزن وأنه لم يعد هناك وجوداً للفرح. لكن إذا خرجت من هذه القوقعة وجربت أن تنظر في المجتمعات الأخرى وتأملت في أناس آخرين لأدركت أنك على خطأ وأن هذه الفكرة منتشرة حولك فقط.
النقاش وليس الجدال
في المرة القادمة التي تُحاور فيها شخصاً يُخالفك في الرأي، احرص ألا تتبع أهواءك. ما أقصده هو أن تجعل مهمتك هي البحث عن الحقيقة، والحقيقة فقط! لا تهتم بالهراء أو السب أو التعصُّب المذهبي!
دعك مما تشاهده في التلفاز من وقاحات وحماقات. كما قلت لك فإنهم سيفعلون أي شيء من أجل إثارة انتباهك ولن يكترثوا لكون هذا الشيء غير أخلاقي.
ابتعد عن الحمقى
كما قالوا، جاور السعيد تسعد وبالمثل، جاور الأحمق تُصبح أحمقاً!
تستطيع أن تقضي وقتك مع مُحبّي القراءة، طلاب علم، مثقفين… إلخ. احِط نفسك بهم، تناقش معهم وتعلم من خبراتهم.
طبقاً لدراسة حدثت في النمسا لقياس مدي تأثير الحمقى على الأذكياء، حيث وُضِع كل طالب ذكي شارك في التجربة وسط طلاب حمقي لمدة عام كامل. وبعد انقضاء العام، انخفض ذكاء الطالب الذكي وانخفض معدل تحصيله.
منذ بضعة أشهر، نشر الدكتور أحمد الأعور علي صفحته الشخصية علي فيسبوك منشورًا يعلق فيه على هؤلاء الذين يتابعون أناسًا تنشر أخبارًا كاذبة، تافهة – إلا إن كنت تهوي التفاهة – أو محبطة، أيضًا أولئك الذين يهتكون الأعراض ويشتغلون بفضح الآخرين، ومضى يرتب بضعة أسباب لرفضه فقال:
حتى لو لم تصدق هذه الأخبار، فبمجرد أن تلمحها عينك تبدأ بالتسرُّب للعقل الباطن وتؤثر عليك دون أن تشعر.
تُشعرك بأنك أفضل من الآخرين.
تعطيك إحساسًا بأن الدنيا أصبحت سيئة وخطرة وأن الخير قد انتهي.
ستجد نفسك بعد فترة من متابعة هؤلاء الأشخاص بأنك تفعل مثلهم وتنشر أخبارًا غريبة.
ستسقط قيمتك أمام نفسك بعد فترة.
ستكتئب ولن تعرف السبب واضحاً لذلك.
فكر بصوتٍ عال
التفكير بصوت مسموع لا يخفف شعورك بالوحدة فقط، ولكن يمكنه أيضًا جعلك أكثر ذكاءً! سوف يساعدك على إيضاح أفكارك، ستميل إلى الشيء المهم، وترسِّخ قراراتك.
منذ أن بدأت في تطبيق هذا الأمر عند حلي للمسائل الرياضية، وأنا أتفاجأ بمدي براعتي في الحل. بالطبع واجهت مشاكل اجتماعية وتسببت في إزعاج من حولي ولكن الأمر رائع.
التحدث للنفس بصوت عال مفيد لتحديد أهدافك وتنقية أفكارك وتحفيز نفسك.
الكثرة لا تُعدّ دليلاً
في القرن السادس عشر الميلادي، نشر كوبرنيكوس أطروحته “ثورات على المدارات السماوية”، صرح فيها بأن الشمس هي مركز الكون، مظهراً خطأ نموذج بطليموس عن مركزية الأرض.
ساهم في هذه الثورة على التقاليد – والتي سميت ثورة كوبرنيكوس – عدد من العلماء منهم تيخو براهي، يوهانس كيبلر، وأيضاً جاليليو جاليلي عندما نشر أطروحته في الدفاع عن نظرية كوبرنيكوس، وهو ما تسبب في اتهامه بالهرطقة وتقديمة إلى حاكم التفتيش عام 1632م.
ظلت تلك النظرية تُهاجم حتى القرن السابع عشر، إلى أن أتم إسحاق نيوتن النظرية بأطروحته “المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية” والتي فسر فيها كيف تظل الكواكب في مداراتها بسبب قوي الجاذبية.
حينها كانت مركزية الأرض هي الفكرة السائدة، وأي أحد يظن غير ذلك يتهمونه بمخالفة المجتمع العلمي والديني وليس ببعيد أن يحرقوه. والسبب في أنهم لم يستطيعوا التخلي عن هذه الفكرة أنهم متكبرون، جاء كوبرنيكوس لكي يزيل عنهم هذا الكبر فأبوا واتهموه بالجنون والهذيان.