عندما تم إعدام جيفارا في تلك المدرسة في بوليفيا عام 1967، انتصرت شهوة الظفر، تلك الشهوة التي تجعل الصيادين يلتقطون صورة لأنفسهم جوار رأس الوعل الذي اصطادوه. حرص الضباط على التقاط صورهم مع جثة التشي، وطلبوا من إحدى الممرضات ان تقوم بغسل وجهه من الدماء والوحل لأجل الصورة. قالت الممرضة بعد ذلك:"كانت هذه غلطة قاتلة لأنه بدا حيًا بشكل لا يصدق في الصورة، وذكرني بصور يسوع التي كانت أمي تعلقها". بعبارة أخرى هم صنعوا منه أيقونة بلا قصد .. وخلدوه أكثر، وفي الآن ذاته لعنهم العالم كله.
عندما قررت إسرائيل إن ياسر عرفات هو المشكلة وليس الحل، حاصرت مقره .. وكان بوسعها أن تقتله بمنتهى السهولة، لكنها رفضت أن تفعل ذلك لا حبًا في القيم الإنسانية، ولكن حتى لا تجعله شهيدًا يخلد في وجدان العالم والشعوب العربية، وبالطبع تخلصت منه فيما بعد بطريقة أقل درامية وأكثر غموضًا.
عندنا في مصر يتم التعامل على طريقة جنود بوليفيا هذه، هناك مزيج فريد من القسوة والحمق، مما يعطي صورة بالغة السوء. عندما تتعامل بخشونة فمن الأفضل أن تتصرف بحيطة.
تذكرت هذا عندما كنت أقرأ بعض الملفات عن إسراء الطويل، الفتاة التي حملوها كل خطايا الأمة بزعم أن بقاءها في السجن مهم جدًا لاستقرار الأمن.
كل الناس تعرف قصة إسراء الطويل، المصورة الشابة – الأقرب للطفولة – من شباب 6 إبريل، كل الناس تعرف أن إسراء أصيبت برصاصة في عمودها الفقري أثناء مسيرة لحركة 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين، وذلك في 25 يناير 2014.
وعولجت لسبعة أشهر في الخارج، ثم عادت مستندة إلى عكازين، لقد كلفتها الداخلية قدرتها على المشي وهي في هذه السن الشابة، لكنها لم تكتف بذلك.
تم خطفها منذ 1 يونيو 2015 لدى خروجها من مطعم مع صديقين هما عمر محمد وصهيب سعد. أي منذ ستة أشهر، ثم ظهرت بعد هذا مع زميليها أمام الكاميرا ليقولوا بغير اقتناع إنهم إرهابيون. مع تجديد حبسها لأسباب غامضة مثل "بث أخبار كاذبة" دون أن نعرف متى نشرت هذه الأخبار وأين. هناك تهمة أخرى أنها تنتمي للإخوان.. لا أعرف كيف تجمع بين الاشتراكيين الثوريين والإخوان معًا، زعموا فيما مضى أنها تنتمي لحركة "نساء ضد الانقلاب" وهو ما نفته الحركة وقتها، دليل الاتهام كاميرا بلا صور كانت تحملها، "قالت آلاء شقيقة إسراء، إن الأسئلة التى وجهت لها كانت معظمها شخصية من نوعية هل تصلى أم لا، ولماذا لا تهذب حواجبها، وهل عاشت قصة حب أم لا، فضلاُ عن أسئلة عن قطتها، وهل تستطيع عمل «تشيز كيك» من عدمه".
فيما بعد قامت بعض المواقع بفضح أسرارها الرهيبة، مثل أنها قادت دراجة في شوارع جدة – كأنه فيلم وجدة – وأنها تحجبت ثم نزعت الحجاب وعملت شعرها (كيرلي) ثم تحجبت من جديد، وإن عندها قطة، وإنها صديقة أسماء البلتاجي، وأنها سافرت لبلجيكا وغزة، وأنها كانت تركب الخيل ليلة القبض عليها (ولا أعرف كيف تم هذا بحالة قدميها).. ما هذا العك بالضبط؟؟.. هل من تهمة واضحة لها رأس وذيل؟ لا أعتقد أن الداخلية متحمسة للدين لدرجة القبض على الفتيات اللاتي ينزعن الحجاب.
لا أعرف كل التفاصيل على كل حال، ولعل الصورة أكثر وضوحًا لدى سلطات التحقيق، ولديهم أسباب أقوى مما نعرفه، فقط أعرف شيئًا واحدًا هو أن انقضاض الدولة بهذا العنف على فتاة أقرب للطفولة ومصابة بعجز في قدميها، هو عمل غير إنساني.. إن العفو الصحي يحفظ ماء الوجه، ويحافظ على صفتي الصرامة والرحمة معًا.
لكن الدولة لا تملك هذه الدرجة من الحكمة طبعًا...
هكذا تحولت إسراء إلى أيقونة، وظهرت بالثوب الأبيض والعكاز وهي متجهة لعربة الترحيلات كأنها ملاك أبيض وسط الوحوش.. هذه الصورة الأيقونية ملأت مواقع التواصل الاجتماعي، وقد قام بعض الشباب بإضافة جناحي ملاك بالفوتوشوب.
شاهد هنا عمرو أديب غاضبًا وقد فقد أعصابه، لأنه لا يفهم خطورة هذه الفتاة الطفلة، وما الضرر من منحها عفوًا صحيًا.
يحدث هذا في الوقت الذي تتم فيه تبرئة الجميع بالجملة، لا إدانة لمبارك ولا العادلي ولا كل ضباط يناير الذين قتلوا المتظاهرين أمام الكاميرات، وقناص العيون، والمسئولين عن مذبحة رابعة، الكل بريء ما عدا إسراء، فتبًا لها من مجرمة أثيمة.
هاجم البعض إسراء على الإنترنت وطالبوا بقطع رقبتها، هذا متوقع.. إذا حذفنا تعليقات اللجان الإلكترونية التي تؤدي عملها بأمانة، فإنه من المنطقي أن اسم 6 إبريل يسبب حساسية للبعض كأنه شتيمة بذيئة، الذين كانوا يحكمون البلد قبل يناير 2011 ورجال الحزب الوطني الذين أنفقوا الملايين لدخول البرلمان، ورجال الأمن مراد بيه وأشرف بيه.. كل هؤلاء كاد (شوية عيال) يفقدونهم مكاسبهم الفاجرة.. هكذا هم مستعدون لشنق كل من ينطق هذا الاسم أو يقال إنه ينتمي له.
لو عدنا بآلة الزمن للوراء أكثر، لرأينا فتيات (سبعة الصبح) اللاتي تم القبض عليهن لأنهن يلوحن بأعلام وبالونات.. تسربت لقطات للبنات صغيرات السن بثيابهن البيض وضحكاتهن النضرة، كأنهن ملائكة أو خراف بيض ينتظرن الذبح في قفص الذئب، فصارت صورهن أيقونية يشاهدها العالم كله ويحتقن غضبًا، كنت في الكويت وقتها، ورأيت سيدتين تذرفان الدمع لدى ظهور هذه الصور على شاشة بي بي سي.
السؤال هو: ما الخطر الحقيقي من بنات خرجن صباحًا، يحملن بالونات مهما كان عليها من شعارات؟ وبالفعل تم إطلاق سراحهن في قرار حكيم نوعًا.
النتيجة المنطقية هي أن سمعة مصر (زي الطين) فعلاً في مجال حقوق الإنسان، وان إعلاميينا المؤيدين للنظام يقابلون بالبيض الفاسد والضرب في كل بلد أوروبي يذهبون له، لكنهم يعتبرون هذا من مخاطر المهنة وينالون بدلاً سخيًا عنه، عن نفسي أنا مستعد لأن أتلقى علقة يوميًا إذا كنت سأحصل على الملايين التي يحصلون عليها.
في عصر مبارك رأينا صورًا أيقونية عديدة، مثل واقعة رش المصلين يوم 28 يناير 2011، وهم مصممون على استكمال الصلاة على الكوبري.. هذه لقطة طافت الأرض، وشاهدها الجميع لما فيها من رمزية، كأن نظام مبارك هو كفار قريش الذين يلقون الحجارة والأفاعي على رءوس المصلين، لو كانت الحكمة موجودة لترك هؤلاء للصلاة، وتم رشهم في موضع آخر.
من الصور الأيقونية الشهيرة أيام مبارك صورة أيمن نور، وقد أوشك على التعفن حيًا في السجن، بفعل مرض السكري والمعاملة السيئة، كانت تهمته المزعومة هي تزوير توكيلات الناخبين – كانت صور التزوير في لجان الداخلية في كل مكان – بينما تهمته الحقيقية هي أنه جرؤ على الترشح أمام مبارك، ونال شعبية لا بأس بها، كان واضحًا للجميع أن إبقاء الرجل في السجن هو تنكيل صريح ورسالة تهديد لمن تسول له نفسه أن الرئيس يمكن أن يكون غير مبارك.
هكذا تتدخل غريزة البطش وشهوة الظفر لدى رجال شرطة بوليفيا، لتصنع أيقونات في كل مكان
عندما قررت إسرائيل إن ياسر عرفات هو المشكلة وليس الحل، حاصرت مقره .. وكان بوسعها أن تقتله بمنتهى السهولة، لكنها رفضت أن تفعل ذلك لا حبًا في القيم الإنسانية، ولكن حتى لا تجعله شهيدًا يخلد في وجدان العالم والشعوب العربية، وبالطبع تخلصت منه فيما بعد بطريقة أقل درامية وأكثر غموضًا.
عندنا في مصر يتم التعامل على طريقة جنود بوليفيا هذه، هناك مزيج فريد من القسوة والحمق، مما يعطي صورة بالغة السوء. عندما تتعامل بخشونة فمن الأفضل أن تتصرف بحيطة.
تذكرت هذا عندما كنت أقرأ بعض الملفات عن إسراء الطويل، الفتاة التي حملوها كل خطايا الأمة بزعم أن بقاءها في السجن مهم جدًا لاستقرار الأمن.
كل الناس تعرف قصة إسراء الطويل، المصورة الشابة – الأقرب للطفولة – من شباب 6 إبريل، كل الناس تعرف أن إسراء أصيبت برصاصة في عمودها الفقري أثناء مسيرة لحركة 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين، وذلك في 25 يناير 2014.
وعولجت لسبعة أشهر في الخارج، ثم عادت مستندة إلى عكازين، لقد كلفتها الداخلية قدرتها على المشي وهي في هذه السن الشابة، لكنها لم تكتف بذلك.
تم خطفها منذ 1 يونيو 2015 لدى خروجها من مطعم مع صديقين هما عمر محمد وصهيب سعد. أي منذ ستة أشهر، ثم ظهرت بعد هذا مع زميليها أمام الكاميرا ليقولوا بغير اقتناع إنهم إرهابيون. مع تجديد حبسها لأسباب غامضة مثل "بث أخبار كاذبة" دون أن نعرف متى نشرت هذه الأخبار وأين. هناك تهمة أخرى أنها تنتمي للإخوان.. لا أعرف كيف تجمع بين الاشتراكيين الثوريين والإخوان معًا، زعموا فيما مضى أنها تنتمي لحركة "نساء ضد الانقلاب" وهو ما نفته الحركة وقتها، دليل الاتهام كاميرا بلا صور كانت تحملها، "قالت آلاء شقيقة إسراء، إن الأسئلة التى وجهت لها كانت معظمها شخصية من نوعية هل تصلى أم لا، ولماذا لا تهذب حواجبها، وهل عاشت قصة حب أم لا، فضلاُ عن أسئلة عن قطتها، وهل تستطيع عمل «تشيز كيك» من عدمه".
فيما بعد قامت بعض المواقع بفضح أسرارها الرهيبة، مثل أنها قادت دراجة في شوارع جدة – كأنه فيلم وجدة – وأنها تحجبت ثم نزعت الحجاب وعملت شعرها (كيرلي) ثم تحجبت من جديد، وإن عندها قطة، وإنها صديقة أسماء البلتاجي، وأنها سافرت لبلجيكا وغزة، وأنها كانت تركب الخيل ليلة القبض عليها (ولا أعرف كيف تم هذا بحالة قدميها).. ما هذا العك بالضبط؟؟.. هل من تهمة واضحة لها رأس وذيل؟ لا أعتقد أن الداخلية متحمسة للدين لدرجة القبض على الفتيات اللاتي ينزعن الحجاب.
لا أعرف كل التفاصيل على كل حال، ولعل الصورة أكثر وضوحًا لدى سلطات التحقيق، ولديهم أسباب أقوى مما نعرفه، فقط أعرف شيئًا واحدًا هو أن انقضاض الدولة بهذا العنف على فتاة أقرب للطفولة ومصابة بعجز في قدميها، هو عمل غير إنساني.. إن العفو الصحي يحفظ ماء الوجه، ويحافظ على صفتي الصرامة والرحمة معًا.
لكن الدولة لا تملك هذه الدرجة من الحكمة طبعًا...
هكذا تحولت إسراء إلى أيقونة، وظهرت بالثوب الأبيض والعكاز وهي متجهة لعربة الترحيلات كأنها ملاك أبيض وسط الوحوش.. هذه الصورة الأيقونية ملأت مواقع التواصل الاجتماعي، وقد قام بعض الشباب بإضافة جناحي ملاك بالفوتوشوب.
شاهد هنا عمرو أديب غاضبًا وقد فقد أعصابه، لأنه لا يفهم خطورة هذه الفتاة الطفلة، وما الضرر من منحها عفوًا صحيًا.
يحدث هذا في الوقت الذي تتم فيه تبرئة الجميع بالجملة، لا إدانة لمبارك ولا العادلي ولا كل ضباط يناير الذين قتلوا المتظاهرين أمام الكاميرات، وقناص العيون، والمسئولين عن مذبحة رابعة، الكل بريء ما عدا إسراء، فتبًا لها من مجرمة أثيمة.
هاجم البعض إسراء على الإنترنت وطالبوا بقطع رقبتها، هذا متوقع.. إذا حذفنا تعليقات اللجان الإلكترونية التي تؤدي عملها بأمانة، فإنه من المنطقي أن اسم 6 إبريل يسبب حساسية للبعض كأنه شتيمة بذيئة، الذين كانوا يحكمون البلد قبل يناير 2011 ورجال الحزب الوطني الذين أنفقوا الملايين لدخول البرلمان، ورجال الأمن مراد بيه وأشرف بيه.. كل هؤلاء كاد (شوية عيال) يفقدونهم مكاسبهم الفاجرة.. هكذا هم مستعدون لشنق كل من ينطق هذا الاسم أو يقال إنه ينتمي له.
لو عدنا بآلة الزمن للوراء أكثر، لرأينا فتيات (سبعة الصبح) اللاتي تم القبض عليهن لأنهن يلوحن بأعلام وبالونات.. تسربت لقطات للبنات صغيرات السن بثيابهن البيض وضحكاتهن النضرة، كأنهن ملائكة أو خراف بيض ينتظرن الذبح في قفص الذئب، فصارت صورهن أيقونية يشاهدها العالم كله ويحتقن غضبًا، كنت في الكويت وقتها، ورأيت سيدتين تذرفان الدمع لدى ظهور هذه الصور على شاشة بي بي سي.
السؤال هو: ما الخطر الحقيقي من بنات خرجن صباحًا، يحملن بالونات مهما كان عليها من شعارات؟ وبالفعل تم إطلاق سراحهن في قرار حكيم نوعًا.
النتيجة المنطقية هي أن سمعة مصر (زي الطين) فعلاً في مجال حقوق الإنسان، وان إعلاميينا المؤيدين للنظام يقابلون بالبيض الفاسد والضرب في كل بلد أوروبي يذهبون له، لكنهم يعتبرون هذا من مخاطر المهنة وينالون بدلاً سخيًا عنه، عن نفسي أنا مستعد لأن أتلقى علقة يوميًا إذا كنت سأحصل على الملايين التي يحصلون عليها.
في عصر مبارك رأينا صورًا أيقونية عديدة، مثل واقعة رش المصلين يوم 28 يناير 2011، وهم مصممون على استكمال الصلاة على الكوبري.. هذه لقطة طافت الأرض، وشاهدها الجميع لما فيها من رمزية، كأن نظام مبارك هو كفار قريش الذين يلقون الحجارة والأفاعي على رءوس المصلين، لو كانت الحكمة موجودة لترك هؤلاء للصلاة، وتم رشهم في موضع آخر.
من الصور الأيقونية الشهيرة أيام مبارك صورة أيمن نور، وقد أوشك على التعفن حيًا في السجن، بفعل مرض السكري والمعاملة السيئة، كانت تهمته المزعومة هي تزوير توكيلات الناخبين – كانت صور التزوير في لجان الداخلية في كل مكان – بينما تهمته الحقيقية هي أنه جرؤ على الترشح أمام مبارك، ونال شعبية لا بأس بها، كان واضحًا للجميع أن إبقاء الرجل في السجن هو تنكيل صريح ورسالة تهديد لمن تسول له نفسه أن الرئيس يمكن أن يكون غير مبارك.
هكذا تتدخل غريزة البطش وشهوة الظفر لدى رجال شرطة بوليفيا، لتصنع أيقونات في كل مكان