بعد الضجيج الذي صاحب مشكلة ريهام سعيد، كتب لي صديقي الشاب راجح يقول إن الموقف ذكره بمقال قديم لي اسمه (ذلك الخنزير مروان)، وقد انبهرت فعلاً بهذه الملاحظة الذكية. حقًا امتلأ المجتمع بالجنون وامتلأ الإعلام بالفساد، فلماذا نضع كل شيء على شماعة ريهام سعيد والسبكي؟ ريهام ليست ظاهرة بل هي تعبير عن ظاهرة. لم تنبت وحدها من تربة صالحة.
لو لم تكن تتابع كتاباتي فأنا ألخص لك مقال مروان الذي كتبته منذ أعوام. صديق لنا يدعى مروان أخطأ كثيرًا في حق زوجته وخانها ولم ينفق عليها ولا على أطفاله. لاحظت أننا في كل مرة نجتمع لنحكي قصة تدل على نذالته ثم نندهش .. الموضوع صار مملاً فعلاً.. (يا له من نذل .. كم نحن رائعون).. هكذا في كل مرة..
هنا فطنت للحقيقة: أمثال (مروان) هذا مهمون جدًا جدًا لنا، لأنهم يشعروننا بالرضا عن أنفسنا.. يشعروننا بأننا رائعون طاهرون.. هكذا نشعر براحة ولذة كلما سمعنا عن شيء جديد فعله ولم نفعله نحن.. لا يمكن الاستغناء عنه في حياتنا.. إنه لنا كالماء والهواء. عندما تشتم (مروان) تشعر بالتفوق والتميز وأنك أفضل.. إنه نموذج البطل الذي (يحب الناس أن يكرهوه) كما يقول الغربيون..
كلنا نتذكر قصة (مروان) النذل.. فنشعر بالتفوق ونحمد الله على أننا لسنا هو..
قرأت في النت (بوست) بالغ الانتشار وصلني بالبريد الإلكتروني عدة مرات، وفيه يتمنى أحد القراء أن تصطدم سيارة تقل فلانًا وفلانة بسيارة تقل فلانًا، فيهوي علان من الشرفة فوق علانة.. إلخ... المشكلة أن هؤلاء ليسوا المشكلة.. هؤلاء جزء منهم، ولو اختفوا كما يتمنى القارئ لجاء عشرات سواهم.
لا أقصد طبعًا الدفاع عن ريهام سعيد، فقد ارتكبت خطأ إعلاميًا فادحًا ودمرتْ حياة أسرة كاملة لمجرد تقديم حلقة مثيرة. في عصر السادات كان برنامج النادي الدولي لسمير صبري هو ملتقى الأسر كلها ليلة السبت، ولا أنكر أن سمير صبري مقدم برامج بارع كاريزمي، وإن كانت لدي تحفظات كثيرة على مواهبه كمطرب. ما حدث هو أنه التقى ذات ليلة مع راقصة، قالت له ضمن كلامها إنها من قرية (ميت أبو الكوم). فهتف في انبهار: "بلد سيادة الرئيس". كلفته هذه الجملة وقف البرنامج لأن السيدة جيهان السادات اتصلت بوزير الإعلام، وقالت له محنقة: "يظهر بلد الريس بقت بتطلع رقاصات..". وكانت لها الكلمة العليا في إنهاء برنامج النادي الدولي.
برغم تحفظي على سبب الوقف الغريب الدكتاتوري، فإن هذا يخبرنا أن الإعلام وقتها لم يكن هواية لمن أراد، وكان ثمن الغلطة فادحًا.
لا أتوقع أن تتوقف ريهام سعيد .. قد تبتعد قليلاً لكنها عائدة بلا شك، كما توقف عكاشة ألف مرة من قبل، وفي كل مرة يطل علينا – برغم أنوفنا – من شاشة الفراعين ثانية. هناك شخصيات قوية جدًا ومن الواضح أنها فوق الوقف أو العقاب أو القانون نفسه. إذا سألت ألف واحد عن برنامج ريهام لهاجموه.. هناك مناسبة قادمة دعا إليها 40 ألفًا من الحقوقيين لوقفها ومحاكمتها، ووافق 77 ألف شخص على موعد 28 نوفمبر لذلك. السؤال هنا هو لو كان الجميع ضدها فمن معها؟ وما سر هذه القوة الكونية لديها؟
الحقيقة أن الجو المخيم على مصر والتراجع الواضح في كل شيء أفرز هؤلاء الإعلاميين، وهم أيضًا صنعوا المزيد من هذا الجو .. دائرة لا تنتهي .. الانهيار يصنع إعلامًا والإعلام يصنع انهيارًا. ولا تنس أن كل الناس جلست تشاهد حلقة ريهام عن البنات الممسوسات في نهم شديد، وشتمني كثيرون عندما شككت فيما رأيناه. ولا تنس كذلك أنها إذ عرضت صورًا شخصية لفتاة، فهناك (إعلامي) آخر أذاع مكالمات شخصية عادية للناس دون إذن النيابة، وهو يتظاهر بالبطولة وأنه لا يخاف لأن الله يحميه، ولو كانوا خمسة فأنا منهم، ولو كانوا واحدًا فأنا ذلك الواحد. ماذا عملته ريهام سعيد أسوأ من هذا (الإعلامي)؟
تعرض هؤلاء الإعلاميون لكثير من النقد على الشبكات الاجتماعية، لكن هناك من خدعهم وقال لهم إن الأبطال يقذفون بالحجارة أما الورود فللموتى، وإن من يتقدم الصفوف يطعن في ظهره، وحزب أعداء النجاح .. إلى آخر هذا الكلام الحمضان الذي أقنع هؤلاء بأنهم رائعون ..وأن من يهاجمهم موتور أحمق خائن للوطن.
عندما سمحت الدولة لرجل أن يقتحم الفضائيات كلها ليشتم أمهات الناس بلا رادع، ودون أن يجرؤ أحد أن يحاسبه .. وحتى المذيعين الذين يستضيفونه يبدون مذعورين خائفين من لسانه. عندما تفتح الطريق لأمثال الرجل يا أستاذ وائل الإبراشي فلا تتضايق عندما يشتمك السبكي على الهواء. أنتم تركتم عفاريت العنف والبذاءة تخرج من القماقم فلا تندهشوا عندما تمزقكم.
بمناسبة السبكي - أتحدث عن الأخوين كواحد - أرى كذلك أن الرجل إفراز طبيعي لمجتمعنا. إنه يقدم أفلامًا سيئة وسوقية جدًا .. لا ننكر هذا .. لكن لو أردنا أن نكون عادلين، فعلينا أن نتذكر أن ملايينه التي يضخها في السينما المصرية هي سبب بقائها، ولولاها لانتهت هذه الصناعة منذ خمس سنوات حسب كلام العاملين في هذا الحقل، فهو قادر على التمويل وعلى تحمل الخسائر المالية في سوق مفلسة أصلاً. إنه المسئول عن بقاء أي كهربائي أو مصور أو مونتير أو نجار في مهنة السينما حتى اليوم، وفتح بيته. دينو دي لورانتيس منتج عالمي اشتهر بالأفلام الرديئة من عينة (كنج كونج - السبعينيات) و(فلاش جوردون)، وقال عنه الفنان ريك بيكر: "إنه كالطقس الرديء.. سيأخذ وقته ثم يرحل". قال الناقد بيتر نيكولز إن دي لورنتيس بملايينه أبقى على حياة الأفلام الخيالية، ولولاه لما رأينا بليد رانر أو حرب الكواكب مثلاً..
لا تنس كذلك أن السبكي قدم في الزمن الطيب أفلامًا جيدة؛ مثل فيلمين جميلين للرائع محمد خان؛ هما الرغبة – عن قصة جاتسبي العظيم - ومستر كاراتيه، كما قدم فيلم أكشن محترمًا مثل الرجل الثالث. وقدم سواق الهانم فيلم أحمد زكي الجميل، وامراة هزت عرش مصر، وقدم فيلم كوميديا خفيفًا نظيفًا مثل الحرب العالمية الثالثة. فيما بعد عندما سادت البلطجة مصر قدم أفلام البلطجة. نحن نحب أن نلقي باللوم كله على الرجل كأنه نبت شيطاني، وكأنما التربة ليست فاسدة أصلاً. كما أنه يشعرنا أننا أفضل.
ليست المشكلة في ريهام سعيد والسبكي صدقني.. جذور المشكلة أعمق من هذا، وتتوغل في جذور مجتمع بدأ يتحلل لافتقاره للعدل والديمقراطية وانهيار التعليم. ولو لم يتم تصحيح التربة فلسوف تنبت ألف إعلامي ومنتج من هذا الطراز.
لو لم تكن تتابع كتاباتي فأنا ألخص لك مقال مروان الذي كتبته منذ أعوام. صديق لنا يدعى مروان أخطأ كثيرًا في حق زوجته وخانها ولم ينفق عليها ولا على أطفاله. لاحظت أننا في كل مرة نجتمع لنحكي قصة تدل على نذالته ثم نندهش .. الموضوع صار مملاً فعلاً.. (يا له من نذل .. كم نحن رائعون).. هكذا في كل مرة..
هنا فطنت للحقيقة: أمثال (مروان) هذا مهمون جدًا جدًا لنا، لأنهم يشعروننا بالرضا عن أنفسنا.. يشعروننا بأننا رائعون طاهرون.. هكذا نشعر براحة ولذة كلما سمعنا عن شيء جديد فعله ولم نفعله نحن.. لا يمكن الاستغناء عنه في حياتنا.. إنه لنا كالماء والهواء. عندما تشتم (مروان) تشعر بالتفوق والتميز وأنك أفضل.. إنه نموذج البطل الذي (يحب الناس أن يكرهوه) كما يقول الغربيون..
كلنا نتذكر قصة (مروان) النذل.. فنشعر بالتفوق ونحمد الله على أننا لسنا هو..
قرأت في النت (بوست) بالغ الانتشار وصلني بالبريد الإلكتروني عدة مرات، وفيه يتمنى أحد القراء أن تصطدم سيارة تقل فلانًا وفلانة بسيارة تقل فلانًا، فيهوي علان من الشرفة فوق علانة.. إلخ... المشكلة أن هؤلاء ليسوا المشكلة.. هؤلاء جزء منهم، ولو اختفوا كما يتمنى القارئ لجاء عشرات سواهم.
لا أقصد طبعًا الدفاع عن ريهام سعيد، فقد ارتكبت خطأ إعلاميًا فادحًا ودمرتْ حياة أسرة كاملة لمجرد تقديم حلقة مثيرة. في عصر السادات كان برنامج النادي الدولي لسمير صبري هو ملتقى الأسر كلها ليلة السبت، ولا أنكر أن سمير صبري مقدم برامج بارع كاريزمي، وإن كانت لدي تحفظات كثيرة على مواهبه كمطرب. ما حدث هو أنه التقى ذات ليلة مع راقصة، قالت له ضمن كلامها إنها من قرية (ميت أبو الكوم). فهتف في انبهار: "بلد سيادة الرئيس". كلفته هذه الجملة وقف البرنامج لأن السيدة جيهان السادات اتصلت بوزير الإعلام، وقالت له محنقة: "يظهر بلد الريس بقت بتطلع رقاصات..". وكانت لها الكلمة العليا في إنهاء برنامج النادي الدولي.
برغم تحفظي على سبب الوقف الغريب الدكتاتوري، فإن هذا يخبرنا أن الإعلام وقتها لم يكن هواية لمن أراد، وكان ثمن الغلطة فادحًا.
لا أتوقع أن تتوقف ريهام سعيد .. قد تبتعد قليلاً لكنها عائدة بلا شك، كما توقف عكاشة ألف مرة من قبل، وفي كل مرة يطل علينا – برغم أنوفنا – من شاشة الفراعين ثانية. هناك شخصيات قوية جدًا ومن الواضح أنها فوق الوقف أو العقاب أو القانون نفسه. إذا سألت ألف واحد عن برنامج ريهام لهاجموه.. هناك مناسبة قادمة دعا إليها 40 ألفًا من الحقوقيين لوقفها ومحاكمتها، ووافق 77 ألف شخص على موعد 28 نوفمبر لذلك. السؤال هنا هو لو كان الجميع ضدها فمن معها؟ وما سر هذه القوة الكونية لديها؟
الحقيقة أن الجو المخيم على مصر والتراجع الواضح في كل شيء أفرز هؤلاء الإعلاميين، وهم أيضًا صنعوا المزيد من هذا الجو .. دائرة لا تنتهي .. الانهيار يصنع إعلامًا والإعلام يصنع انهيارًا. ولا تنس أن كل الناس جلست تشاهد حلقة ريهام عن البنات الممسوسات في نهم شديد، وشتمني كثيرون عندما شككت فيما رأيناه. ولا تنس كذلك أنها إذ عرضت صورًا شخصية لفتاة، فهناك (إعلامي) آخر أذاع مكالمات شخصية عادية للناس دون إذن النيابة، وهو يتظاهر بالبطولة وأنه لا يخاف لأن الله يحميه، ولو كانوا خمسة فأنا منهم، ولو كانوا واحدًا فأنا ذلك الواحد. ماذا عملته ريهام سعيد أسوأ من هذا (الإعلامي)؟
تعرض هؤلاء الإعلاميون لكثير من النقد على الشبكات الاجتماعية، لكن هناك من خدعهم وقال لهم إن الأبطال يقذفون بالحجارة أما الورود فللموتى، وإن من يتقدم الصفوف يطعن في ظهره، وحزب أعداء النجاح .. إلى آخر هذا الكلام الحمضان الذي أقنع هؤلاء بأنهم رائعون ..وأن من يهاجمهم موتور أحمق خائن للوطن.
عندما سمحت الدولة لرجل أن يقتحم الفضائيات كلها ليشتم أمهات الناس بلا رادع، ودون أن يجرؤ أحد أن يحاسبه .. وحتى المذيعين الذين يستضيفونه يبدون مذعورين خائفين من لسانه. عندما تفتح الطريق لأمثال الرجل يا أستاذ وائل الإبراشي فلا تتضايق عندما يشتمك السبكي على الهواء. أنتم تركتم عفاريت العنف والبذاءة تخرج من القماقم فلا تندهشوا عندما تمزقكم.
بمناسبة السبكي - أتحدث عن الأخوين كواحد - أرى كذلك أن الرجل إفراز طبيعي لمجتمعنا. إنه يقدم أفلامًا سيئة وسوقية جدًا .. لا ننكر هذا .. لكن لو أردنا أن نكون عادلين، فعلينا أن نتذكر أن ملايينه التي يضخها في السينما المصرية هي سبب بقائها، ولولاها لانتهت هذه الصناعة منذ خمس سنوات حسب كلام العاملين في هذا الحقل، فهو قادر على التمويل وعلى تحمل الخسائر المالية في سوق مفلسة أصلاً. إنه المسئول عن بقاء أي كهربائي أو مصور أو مونتير أو نجار في مهنة السينما حتى اليوم، وفتح بيته. دينو دي لورانتيس منتج عالمي اشتهر بالأفلام الرديئة من عينة (كنج كونج - السبعينيات) و(فلاش جوردون)، وقال عنه الفنان ريك بيكر: "إنه كالطقس الرديء.. سيأخذ وقته ثم يرحل". قال الناقد بيتر نيكولز إن دي لورنتيس بملايينه أبقى على حياة الأفلام الخيالية، ولولاه لما رأينا بليد رانر أو حرب الكواكب مثلاً..
لا تنس كذلك أن السبكي قدم في الزمن الطيب أفلامًا جيدة؛ مثل فيلمين جميلين للرائع محمد خان؛ هما الرغبة – عن قصة جاتسبي العظيم - ومستر كاراتيه، كما قدم فيلم أكشن محترمًا مثل الرجل الثالث. وقدم سواق الهانم فيلم أحمد زكي الجميل، وامراة هزت عرش مصر، وقدم فيلم كوميديا خفيفًا نظيفًا مثل الحرب العالمية الثالثة. فيما بعد عندما سادت البلطجة مصر قدم أفلام البلطجة. نحن نحب أن نلقي باللوم كله على الرجل كأنه نبت شيطاني، وكأنما التربة ليست فاسدة أصلاً. كما أنه يشعرنا أننا أفضل.
ليست المشكلة في ريهام سعيد والسبكي صدقني.. جذور المشكلة أعمق من هذا، وتتوغل في جذور مجتمع بدأ يتحلل لافتقاره للعدل والديمقراطية وانهيار التعليم. ولو لم يتم تصحيح التربة فلسوف تنبت ألف إعلامي ومنتج من هذا الطراز.